ولكن البترول والطاقة - بوجه عام - ليست إلا وجها واحدا من أوجه مشكلة الموارد الطبيعية التي تواجه العالم اليوم؛ فهذا العالم يستهلك موارده الأخرى - من الحديد والنحاس والقصدير ... إلخ - بمعدل متزايد؛ لكي يلبي أغراض الصناعة التي تتوسع بلا انقطاع، ومطالب الاستهلاك التي اعتادها الإنسان حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياته. وإذا كانت بعض الموارد الطبيعية قابلة للتجديد - كالأخشاب مثلا التي يمكن أن تتجدد بظهور أشجار جديدة - فإن الموارد المعدنية التي تستهلك لا يمكن تعويضها؛ ومن ثم فإن رصيد العالم منها يتضاءل يوما بعد يوم.
وقد دق عدد كبير من الباحثين ناقوس الخطر، معلنا أن الموارد الحالية من المعادن الهامة التي تقوم عليها الصناعات الرئيسية - ومن ثم تقوم عليها الحضارة العصرية بأسرها - لا بد أن تنتهي في وقت قصير إذا سارت الزيادة في معدلات الاستهلاك سيرتها الحالية؛ فبعض المعادن لا يقدر للمخزون منه أن يدوم أكثر من ربع قرن، وبعضها قد يدوم أكثر من ذلك، ولكن الأمر المؤكد هو أنه إذا انقضى على البشرية قرن آخر ظلت فيه صناعاتها تستهلك الموارد الطبيعية على النمط السائد الآن، فإن معظم الموارد الأساسية سيكون عندئذ قد نفد.
وفي مقابل ذلك يذهب بعض المتفائلين إلى أن الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، فمن المحال أن يظل العقل الإنساني ينتظر - في حالة من السلبية - نقصان رصيده من موارد الطبيعة يوما بعد يوم، حتى ينتهي الأمر بالبشرية إلى العودة مرة أخرى إلى الكهوف بعد أن تنضب آخر ذرة من معادنها ومن طاقاتها. والرأي الذي يدافع عنه هؤلاء هو أن التقدم العلمي كفيل بأن يكشف للإنسان آفاقا جديدة لا تخطر له الآن على بال، فإذا توصل الإنسان إلى الوسائل الفعالة لاستخراج الثروات الطبيعية الكامنة في أعماق المحيطات، فمن المؤكد أنه سيهتدي فيها إلى احتياطي من الموارد يبلغ أضعاف ما قدره المتشائمون، وإذا استطاع أن يتوغل في باطن الأرض ذاتها - التي يمكن القول أن كل كشوفنا تكمن على السطح الأعلى من قشرتها الخارجية - فسوف يجد على الأرجح موارد معدنية هائلة مدفونة في الأعماق البعيدة للأرض، وإذا أصبح الاتصال بين الكواكب والنجوم الواقعة في الفضاء القريب من الأرض حقيقة واقعة، وأمكن تحقيقه بطريقة منتظمة، فسوف يستخلص الإنسان من هذه العوالم الجديدة موارد تعوضه عن كل ما يفقده على سطح الأرض.
ومع ذلك فإن هذا الرد - الذي يعتمد على إنجازات علمية بعيدة المدى - لا يبدو كافيا في نظر الكثيرين، الذين يرون أن المشكلة ستواجه العالم في وقت أقرب من ذلك الذي تتحقق فيه آمال هؤلاء المتفائلين؛ فهناك احتمال قوي في أن يواجه الإنسان بنقص أساسي في موارده الطبيعية «قبل» أن يكون العلم قد تمكن من التوصل إلى بدائل أو كشف مصادر جديدة لها، وعندئذ يكون لزاما علينا أن نفكر - منذ الآن - فيما ينبغي عمله قبل أن يتحقق هذا الاحتمال المخيف.
والأمر الذي يركز عليه كثير من المفكرين الواعين بخطورة هذه المشكلة، هو أن الأجيال الحاضرة ينبغي أن تفكر في مصير الأجيال القادمة، ولا تترك لها العالم فقيرا في الموارد، لكي تحل هي مشكلاتها بنفسها، وهنا تتدخل مشكلة أساسية من مشكلات القيم؛ فهل ينبغي علينا - نحن الذين نعيش في الجيل الحاضر - أن نراعي حقوق جيلنا هذا وحده؟ أم أن الجيل الناشئ والأجيال التي لم تولد بعد لها - بدورها - حقوق ينبغي مراعاتها عند استهلاك موارد العالم الطبيعية؟
1
الواقع أن الإجابة عن هذا السؤال ليست يسيرة إلى الحد الذي تبدو عليه للوهلة الأولى.
فمن الواضح - في نظر الكثيرين - أن الأجيال البشرية ينبغي أن تتخلى عن أنانيتها، وعن رغبتها في ضمان أعلى مستوى ممكن لمعيشتها، وعليها أن تفكر في مصير الأجيال التي ستعقبها، فلا تبدد موارد الطبيعة إلى الحد الذي لا يترك لهذه الأجيال اللاحقة ما تستطيع أن تستهلكه.
ومن المؤكد أن معدل الاستهلاك في الدول الغنية يزداد بدرجة تنذر بخطر حقيقي في المستقبل، إذ يصل هذا الاستهلاك أحيانا إلى حد التبديد السفيه، وهنا يكون من الطبيعي أن يثور الضمير الإنساني على هذا التبديد غير المسئول، الذي لا يحدث من أجل إشباع ضرورات حيوية، بل يحدث لإرضاء رغبات أنانية ونزوات استهلاكية مجنونة لا يلبي معظمها حاجات أصيلة لدى الإنسان. فإذا كان هذا الاستهلاك الزائد عن الحاجة يتم على حساب الضرورات الأساسية التي ستحتاج إليها الأجيال المقبلة، أليس من حق المرء أن يعترض ويطالب بالتريث والتفكير في الآخرين، لا سيما إذا كان هؤلاء الآخرون هم أبناؤنا وأحفادنا؟
على أن أنصار الرأي المضاد يسوقون حججا تبدو في نظر الكثيرين معقولة: فمن الواجب - في نظرهم - أن نترك الأجيال المقبلة تواجه مشكلاتها بنفسها، ولو افترضنا أن الجيل الحالي قد قلل استهلاكه - بقدر ما يستطيع - مراعاة لمطالب الأجيال القادمة، فإن هذا لن يكون حلا للمشكلة؛ وذلك لسببين: الأول أن المستهلكين الحقيقيين في هذا العالم هم قلة من الدول التي تشكل نسبة ضئيلة من مجموع سكان العالم، أما الأغلبية الساحقة فتعيش على مستوى الكفاف. ولو اختفت الأنانية من العالم، وساده تنظيم عاقل يراعي مصالح الغير، فسوف يكون أول ما ينبغي على هذا التنظيم عمله هو رفع المستوى الاستهلاكي للأغلبية البائسة من شعوب العالم إلى مستوى معقول، وعندئذ سنواجه المشكلة بنفس حدتها الحالية وربما بمزيد من الحدة؛ إذ إن رفع مستوى ألوف الملايين من فقراء العالم إلى حد معقول سيؤدي إلى استهلاك لموارد العالم بمعدل قد يفوق المعدل السائد بين الدول الغنية المبذرة في الوقت الراهن. وأما السبب الثاني فهو أننا مهما قترنا على أنفسنا الآن، أو حتى بعد جيل أو جيلين، فسوف نضطر - عاجلا أو آجلا - إلى مواجهة المشكلة بكل حدتها يوما ما، إذ إن ترشيد الاستهلاك - حتى لو تحقق على نطاق عالمي - لن يمنع من حدوث أزمات في الموارد الطبيعية في المستقبل، وكل ما سيؤدي إليه هو إرجاء المشكلة إلى حين.
Bog aan la aqoon