Tafkir Cilmi
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Noocyada
67
ثالثا: موقف العلماء العرب المعاصرين من الرؤية الاستشراقية لظاهرة العلم العربي:
يقف كثير من علمائنا ومفكرينا المعاصرين بإزاء الرؤية الاستشراقية لظاهرة العلم العربي إلى فريقين رئيسيين: أحدهما يؤكد هذه الرؤية، وسوف نرى على أي أساس قام تأييدهم هذا، ثم نناقشه لنرى مدى أحقيته، وأما الفريق الثاني فيرفضون تلك الرؤية، وسوف نعرض آراءهم أيضا. (أ) أما الفريق الأول
فيتعامل مع ظاهرة العلم العربي وما حققه العرب والمسلمون في مجال العلوم الرياضية والطبيعية بروح المكابرة والتكبر، منكرين أي دور ريادي للعلماء العرب في تاريخ العلم الإنساني. كما أن هذا الفريق ينكر كل التطور الفكري والعلمي والفلسفي ويطرح حله الجاهز، وهو إعلان الطلاق مع كل التراث العلمي العربي، ويطرح مسألة الارتباط بالفكر الغربي المعاصر كمخرج من الأزمة، ويدعو إلى قطع الجذور مع ماضي الأمة وتراثها.
ولقد صدرت مثل هذه الأحكام للأسف من قبل أناس من أعلى الأساتذة قدرا وأرفع المفكرين شأوا، والدليل على هذا الدكتور «محمد عابد الجابري» وما ذكره في كتابة «مدخل إلى فلسفة العلوم»؛ حيث يقول: «إن تاريخ العلوم السائد الآن تاريخ أوروبي النزعة تتجه أنظاره من اينشتين وماكس بلانك إلى نيوتن وجاليليو، ومنها إلى إقليدس وأرسطو. أما العلم العربي فهو لا يحظى في أحسن الأحوال إلا بإشارات عامة عابرة، أما المسار العام فلا يتخذ منه سوى قنطرة مر عليها التراث الإغريقي إلى العالم الغربي. ومن هنا كان القديم - في هذا المنظور التاريخي الأوروبي - يعني العلم الأرسطي.»
68
ثم يصادر الدكتور الجابري على أن العقل العلمي الغربي هو المعاصرة وأن العقل العلمي العربي هو الأصالة، وعلينا الجمع بينهما، وفي هذا يقول: «ولكننا نحن العرب في العصر الحاضر سجناء رؤيتين؛ الأوروبية التي فتحنا عليها أعيننا منذ بدء يقظتنا الحديثة، وهي تكيف - بل تهيمن على - جانب المعاصرة في شخصيتنا العلمية والحضارية، والرؤية الغزالية-الشهرزورية- العثمانية (نسبة إلى أبي حامد الغزالي وابن الصلاح الشهرزوري والدولة العثمانية) التي تشوش جانب الأصالة في تفكيرنا، وتقف حاجزا بيننا وبين ربط ماضينا بحاضرنا في اتجاه المستقبل المنشود.»
ثم يستطرد فيقول: «إننا نعتقد أن الانكباب على دراسة جاليليو وديكارت وهويجنز وأينشتين دراسة تاريخية واعية ستسلحنا بالأدوات الفكرية التي تمكننا من اكتشاف علمي لا خطابي - موضوعي لا ذاتي - لمختلف الوجوه المشرقة في تراثنا ويا ما أكثرها! هناك طريق واحد يقودنا نحو العلم العربي في الماضي والعلم العربي في المستقبل. إنه الانكباب على دراسة الفكر العلمي الحديث وتطوره والاجتهاد في هضمه وتمثيله.»
69
ولم يكتف الدكتور الجابري بهذا، بل نراه يطرح لنا فكرة البداية من الصفر فيما يتعلق بتراث الأمة وماضيها، وذلك على أكتاف العلم الحديث. يقول الدكتور الجابري: «إن الماضي كالمستقبل لا يكتشف ولا يبين أو يعاد بناؤه إلا على أساس الحاضر وانطلاقا منه وحاضرنا العلمي هو العلم الحديث، فلنجعل من دراسة هذا العلم موضوعا ومنهاجا، روحا ومناخا، وسيلة لبناء حاضرنا وبعث ماضينا والانطلاق نحو مستقبلنا، لنتسلح إذن بهذه الرؤية الجدلية التي تجعل الحاضر منطلقا لبعث الماضي وبناء المستقبل».
Bog aan la aqoon