Tafkir Cilmi
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Noocyada
ويمكن أن نفند رأي هؤلاء المستشرقين فنقول: نحن لا ننكر أن العلم العربي قد تأثر بالعلم اليوناني، وأن معظم العلماء والفلاسفة العرب أخذوا عن أرسطو معظم آرائه، وأنهم أعجبوا بإقليدس وجالينوس وأرشميدس، وتابعوهم في نواح عدة. ولو لم يكرر الكلام لنفد. ومن ذا الذي لم يتتلمذ على من سبقه ويقتفي أثر من تقدموه؟
إننا نعترف بأن ظاهرة التأثير والتأثر بين الحضارات المتعاقبة، بحيث تؤثر الحضارة السابقة في الحضارة اللاحقة حقيقة لا شك فيها، إلا أنه يجب أن نميز بأن هذا التأثير تتعدد إبعاده وتختلف مجالاته؛ فتارة يكون التأثير من جانب السابق في اللاحق تأثيرا قويا عميقا، وعلى درجة من الشمول تكاد تذهب باستقلالية المتأثر وهويته العلمية؛ ومن ثم تظهر العلاقة بين الطرفين في صورة علاقة تابع بمتبوع ومقلد بمبدع. وتارة يكون التأثير ضعيفا في درجته محدودا في مجاله بحيث يظل كل من الطرفين، المؤثر والمتأثر، محتفظا بفردانيته واستقلال نظرته وفكره؛ ومن ثم تتوارى معدلات التأثير فلا تكاد تظهر.
38
ولا يختفي على أحد أن العلم اليوناني قد تأسس أصلا وأساسا على ما أخذه علماء اليونان من علوم الشرق القديم في مصر وبابل وآشور. ويبدو هذا التأثير واضحا لدى طاليس وفيثاغورس وأفلاطون وجالينوس بصفة خاصة. ولا يستطيع أحد أن يدعي أن هؤلاء اليونان رغم تأثرهم بالعلم الشرقي كانوا مجرد نقلة ومقلدين لما كان لدى الشرقيين القدماء من هذه العلوم.
ثم إننا نتساءل إذا كان العلماء العرب قد استقوا معظم مادتهم العلمية من التراث اليوناني، فهل وقفوا عند حد التأثر؟ أم تجاوزوه إلى حيث قدموا بعض عناصر الابتكار والإضافة والتجديد؟
للإجابة على هذا السؤال، نقول: إننا نجد مؤشرات علمية واضحة عند العلماء العرب تدل على الأصالة والإبداع والجدة والابتكار، فهناك مؤشرات نجدها عند ابن سيناء وأبي بكر الرازي في مجال الطب، وأبو القاسم الزهراوي وابن زهر وابن النفيس في مجال علم الجراحة، وابن الهيثم في مجال علم المناظر، وجابر بن حيان في مجال علم الكيمياء، وابن يونس في مجال علم الفلك، وابن بيطار في مجال علم الصيدلية، وثابت بن قرة في مجال على التفاضل والتكامل، والخوارزمي في مجال علم الجبر ... وهلم جرا.
إلا أن هذه المؤشرات رغم أصالتها فلم تبلغ الحد الذي بلغته على يد العلماء اليونانيين، بل هي دونها مستوى؛ لأنها تمخضت عن ذا الينبوع فأخرجت منه الجديد الذي لم يكن من قبل، فكان عملها جديدا بهذه الدلالة؛ لأنه سينتهي فيما بعد إلى أن يكون هذا الجديد مصدرا لبعض نزعات العلم الأوروبي الحديث. وتلك هبة تغافل عنها المستشرقون وانحسرت أفكارهم دونها ناقصة من اعتراف بجميل أو إنصاف لحق.
ونحن لا نتنكر في هذا السبيل لتأثيرات العلم اليوناني في العلم العربي، ولكننا نجد في العلم العربي جوانب جديدة يتميز ابتكارها بالكيف لا بالكم، والإضافة الحقة تمثلت في عمليتين متتاليتين؛ تحليلية من جهة، وتركيبية من جهة أخرى، تعتمد على عناصر قبلية للتجربة الجديدة في الفكر؛ ففي التحليل نتوصل إلى العناصر الأساسية في الموقف أو التجربة، فنقدم شيئا جديدا في الرؤية التي نريد والصورة التي نقصد. وفي التركيب حال أخرى تعتمد على التدرج من البسيط إلى ما هو أكثر، ومن الأحكام النسبية إلى أحكام أشد عموما وأبعد ضرورة.
وقد تختلف هذه التجربة حدة وشدة باختلاف صانعيها، ولكنها في صميم طبيعتها لا تخرج عن صفة الإبداعية
Creative
Bog aan la aqoon