وَذَلِكَ الْكَذِب الْمنْهِي عَنهُ هُوَ الْكَذِب الْخَفي، بِأَن يقبل الحَدِيث عَمَّن لَا يعرف صدقه.
وأباح قبُول الحَدِيث عَن بني إِسْرَائِيل عَمَّن حدث عَنْهُم، مِمَّن يقبل صدقه وَكذبه، وَلم يبحه عَمَّن يعرف كذبه؛ لِأَنَّهُ ﷺ قَالَ: " من حدث عني بِحَدِيث وَهُوَ يرَاهُ كذبا فَهُوَ أحد الْكَذَّابين ". انْتهى.
وَحَدِيث التَّفْرِيق أخرجه النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن النَّبِي ﷺ قَالَ: " حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج، وَحَدثُوا عني وَلَا تكذبوا عَليّ ".
وَأخرجه مُسلم عَن أبي سعيد بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ.
وَأخرجه البُخَارِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو، بِلَفْظ: " حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج، وَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ".
وَقد اخْتلف فِي أَنه خطاب للمحدث عَنْهُم وللمحدث.
فَقيل: خطاب للمحدث عَنْهُم، ثمَّ فِي الْمَعْنى قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَنه إِبَاحَة بعد حظر، وَلَيْسَ ثمَّ حظر صَرِيح، لكنه قد صَحَّ أَن عمر أته بِشَيْء من التَّوْرَاة، فَغَضب وَقَالَ: " اسهولون فِيهَا يَا ابْن الْخطاب؟ " فَهَذَا نهي، فَكَأَنَّهُ أَبَاحَ الحَدِيث عَنْهُم بعد ذَلِك النَّهْي.
وَالثَّانِي: أَنه لما قَالَ: " حدثوا " كَانَ لفظ أَمر، فَأتبعهُ بقوله: " وَلَا حرج " ليعلم أَنه لَيْسَ بِأَمْر وجوب.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد حكى لنا شَيخنَا ابْن نَاصِر، عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، أَنه قَالَ: معنى الحَدِيث: حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج إِن لم تحدثُوا.
1 / 27