Tadhkir al-akhyaar bifadha'il al-makth fi makan adaa al-salah wa qira'at al-adhkar
تذكير الأخيار بفضائل المكث في مكان أداء الصلاة وقراءة الأذكار
Daabacaha
بدون
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٤٤٣ هـ - ٢٠٢٢ م
Noocyada
تذكير الأخيار
بفضائل المُكث في مكان أداء الصلاة
وقراءة الأذكار
تأليف
عبد الرزاق بن فاضل الربيعي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
1 / 1
كل الحقوق محفوظة
الطبعة الثانية
١٤٤٣ هـ - ٢٠٢٢ م
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال ابن بطال ﵀: فمن كان كثير الذنوب وأراد أن يحطَّها الله عنه بغير تعب؛ فليغتنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة، ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، فهو مرجو إجابته، لقوله تعالى: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] " (^١).
_________
(^١) شرح صحيح البخاري لابن بطال (٢/ ٩٥) ط ٢ لمكتبة الرشد ١٤٢٣ هـ ٢٠٠٣ م.
1 / 3
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله الذي بيده التدبير، ومنه العون والتيسير، وأشهد أن لا إله إلا الله العليُّ الكبير، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، البشيرُ النذير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الكرماء وأصحابه الرحماء، صلاةً مستمرةَ الدوم، جديدةً على مرِّ الليالي والأيام ....
أما بعد
فهذه الطباعة الثانية من رسالة (تذكير الأخيار بفضائل المكث في مكان أداء الصلاة وقراءة الأذكار) ولا تختلف عن الطبعة الأولى إلا باستدراك يسير في الترتيب، وتعديل في مسألة: زيادة "رب الملائكة والروح" بعد صلاة الوتر، فقد رأيت أن أكتفي بنقل فتوى اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز ﵀، وكذلك كلام الشوكاني ﵀.
والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخميس/ ١٤ شعبان ١٤٤٣
الذخيرة/ حرسها الله، وسائرَ بلاد المسلمين = آمين.
1 / 4
المقدمة
الحمد لله الذي أمرَ بالذِّكر كثيرًا، أحمده عدد خلقه صغيرًا أو كبيرًا. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وَعَدَ الذاكرين والذاكرات، بالمغفرة وعظيم الحسنات. وأشهد أن محمدًا عبدُه الشكور، ونبيُّه المُشَّفع في يوم النشور، الذاكرُ لربه في العشي والبكور. صلوات الله وسلامه عليه، عدد ما تحرَّكت بالذكر الشفاه، ونطقت به الأفواه.
أما بعد
فإنَّ في قراءة الأذكار بعد الصلاة أجرٌ كبير، وفضلٌ وفير، ومتابعةٌ للبشير النذير، واستجلابٌ لمرضاة العليِّ الكبير؛ ولذلك قال ابن القيم ﵀ في فضل الذكر عمومًا: إن العطاء والفضل الذي رُتِّب عليه لم يُرَتَّبْ على غيره من الأعمال" (^١).
بل إنَّ الجلوس وحده فيه فوائد، والذكر مع الجلوس له عوائد، وأيُّ عوائد؛ تستغفر لمن يجلس الملائكة، وتدعو له بالمغفرة والتوبة من الذنوب المهلكة.
وأكثر الناس لا يجلسون بعد الصلاة للأذكار، واعتادوا التَّعجُّل في
_________
(^١) الوابل الصيب (ص/ ١٠١). ط؛ الأوقاف القطريةـ ١٤٣٧ هـ ــ ٢٠١٦ م.
1 / 5
الخروج باستمرار، فيتركون الصواب، ويفوتهم الثواب.
فلأجل نيل ذلك الثواب، والحرص على تلك الأسباب، التي توصل إلى مرضاة ربِّ الأرباب، رأيت أن أكتب في هذا الباب، ما يُبَشِّرُ أولي الألباب، ويدعو المُعرِضين إلى العودة والإناب، عن عادة السَّرَعَان (^١)، إلى عادة أهل الذكر والاطمئنان.
فجمعتُ من الأدلة والآثار، ما يبين فضل الأدعية والأذكار، التي تقال بعد الصلاة باستمرار، وتجعل أهل الفقر والإعسار، ينافسون أهل السعة واليسار. ونقلتُ بعض الفتاوى المهمة، المتعلقة بالذكر بعد الصلاة للمأمومين والأئمة.
وأرجو لمن قرأها أنْ يُغيِّرَ من نفسه، ويقرأَ منها على جلسائه وبني جنسه، في الدروس واللقاءات، والخطب والمحاضرات، وأن نتواصى بهذا الأمر في المنشورات والتغريدات، والوسائل المتنوعات، لنحظى بالفضائل المذكورة، في السطور المزبورة.
_________
(^١) قال النووي: "السَّرَعَان" هم المسرعون إلى الخروج. والسرعان - بفتح السين والراء - هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة، وهكذا ضبطه المتقنون. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (٥٧٣).
1 / 6
وينبغي لكلِّ عاقل أنْ يحرص على العمل بالفضائل، وأن يكثر من القربات والنوافل، حتى يلتحقَ بركب الأبرار، ويرقى منازل الأخيار، لاسيما وباب الأذكار، أسهل في الأداء، وأعظم في الثواب والجزاء.
ويجدر بكل محب للسنة أنْ لا يُفوِّت العمل بما بلغه من فضائل الأعمال، وكريم الخصال، بل يعمل بقدر ما يستطيع منها، ولا يكون من الذين يهجرونها ويغفلون عنها.
قال النووي ﵀: اعلم: أنه ينبغي لمن بلغه شيءٌ من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرَّة، ليكون من أهله، ولا ينبغي أنْ يتركه مطلقًا، بل يأتي بما يتيسر منه، لقوله ﷺ في الحديث المتَّفَق على صحته (^١): "وإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" (^٢).
وقد سميت هذه الرسالة (تذكير الأخيار بفضائل المكث في مكان أداء الصلاة وقراءة الأذكار)، واحتوت الرسالة على مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة، وفهرست. فأسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين المخبتين، وأن يثبتنا على الحق المبين، وﷺ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(^١) رواه البخاري (٧٢٨٨) ومسلم (١٣٣٧).
(^٢) كتاب الأذكار للنوي (ص/ ٣٥). ط ١ الأوقاف القطرية. ١٤٣٦ هـ/ ٢٠١٥ مـ.
1 / 7
الفصل الأول الترغيب في ذكر الله والترهيب من الغفلة عنه
وفي هذا الفصل مبحثان:
المبحث الأول الحث على ذكر الله ﷿-
وفي هذا المبحث ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الأمر بالإكثار من الذكر
قال الله ﷿: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (٢٠٠)﴾ [البقرة: ٢٠٠].
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١)﴾ [الأحزاب: ٤١].
عن عبد الله بن عباس ﵄، فِي قَوْلِهِ ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾
1 / 8
[الأحزاب: ٤١]. يَقُولُ: لَا يَفْرِضُ عَلَى عِبَادِهِ فَرِيضَةً إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، ثُمَّ عَذَرَ أَهْلَهَا فِي حَالِ عُذْرٍ غَيْرِ الذِّكْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فِي تَرْكِهِ إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، قَالَ: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٣]. بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَفِي السَفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالسَّقَمِ وَالصِّحَّةِ، وَالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ: ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: ٤٢]. فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؛ صَلَّى عَلَيْكُمْ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ، قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ﴾ [الأحزاب: ٤٣] (^١).
وقال ابن القيم ﵀: فقيَّد الأمر بالذكر بالكثرة والشدة؛ لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأيُّ لحظةٍ خلا فيها العبد عن ذكر الله ﷿ كانت عليه لا له، وكان خُسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله ﷿" (^٢).
_________
(^١) تفسير الطبري (١٠/ ٣٠٦) [الأحزاب: ٤١]. ط ٢ دار الكتب العلمية، ١٤١٨ هـ ــ ١٩٩٧ م.
(^٢) الوابل الصيب (ص/ ٨٩). ط الأوقاف القطرية، ١٤٣٧ هـ ــ ٢٠١٦ م.
1 / 9
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (٢٠٥)﴾ [الأعراف: ٢٠٥].
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)﴾ [الأنفال: ٤٥].
وقال تعالى عن زكريا ﵇: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)﴾ [آل عمران: ٤١].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ ﵁ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: "لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (^١).
وعن الحارث الأشعري ﵁، أن نبي الله ﷺ قال: "إِنَّ اللَّهَ ﷿ أَمَرَ
_________
(^١) رواه الترمذي (٣٣٧٥) وابن ماجه (٣٧٩٣) وابن حبان في صحيحه (٨١٤)، وصححه الألباني في صحح الترغيب (١٤٩١). وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (١/ ٩٣).
1 / 10
يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ﵉ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ، وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، … وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﷿ كَثِيرًا، وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ، فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ ﷿" (^١).
وقال عبد الله بن أبي الهذيل: إن الله تعالى ليحب أن يذكر في السوق، ويحب أن يذكر على كل حال، إلا على الخلاء" (^٢).
المطلب الثاني: فضائل ذكر الله ﷿-
قال تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (٤٥)﴾ [العنكبوت: ٤٥].
_________
(^١) رواه أحمد (١٧١٧٠) والترمذي (٢٨٦٣). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (١٤٩٨). وكذلك صححه الوادعي في الصحيح المسند من دلائل النبوة رقم (٤٦٠).
(^٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٥٩). وذكره ابن القيم في الوابل الصيب (ص/ ١٦٤).
1 / 11
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٣٥)﴾ [الأحزاب: ٣٥]. وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤)﴾ [الكهف: ٢٤].
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)﴾ [الرعد: ٢٨].
وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (١٥٢)﴾ [البقرة: ١٥٢].
قال ابن القيم ﵀: ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلًا وشرفًا" (^١). ثم أورد الحديث التالي:
_________
(^١) الوابل الصيب (ص/ ٩٦).
1 / 12
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" (^١).
وعَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ" (^٢).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ، فَقَالَ: "سِيرُوا، هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ". قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ" (^٣).
_________
(^١) رواه البخاري (٧٤٠٥) ومسلم (٢٦٧٥).
(^٢) رواه البخاري (٦٤٠٧).
(^٣) رواه مسلم (٢٦٧٦).
1 / 13
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ". قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى" (^١).
وعن معاذ بن جبل ﵁ قال سألتُ النَّبيَّ ﷺ: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ تعالى؟ قال: "أن تموتَ، ولِسانُك رَطْبٌ مِنْ ذِكرِ اللهِ" (^٢).
وعن معاذ بن جبل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (^٣). وعند الطبراني: قيل: ولا الجهادُ
_________
(^١) رواه الترمذي (٣٣٧٧) وابن ماجه (٣٧٩٠) وأحمد (٢١٧٠٤). وصححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح (٢٢٠٩).
(^٢) أخرجه ابن حبان في صحيحه (٨١٨)، وحسنه ابن حجر في الفتوحات الربانية (١/ ٢٥٧) والألباني في صحيح الترغيب (١٤٩٢).
(^٣) أخرجه أحمد في المسند (٢٢٠٧٩) واللفظ له، وابن أبي شيبة في المصنف (٣٠٠٦٥) والطبراني في الأوسط (٢٢٩٦). وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٦٤٤). وحسن إسناده ابن حجر في بلوغ المرام رقم (١٣٣٣)، وراواه مالك موقوفًا (٥٦٤).
1 / 14
في سبيلِ اللهِ؟ قال: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلا أن يضربَ بسَيْفِه حتى ينقطعَ" (^١).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁، أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ: سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ قَبْلِكَ؛ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ؛ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وَذِكْرُكَ فِي الْأَرْضِ" (^٢).
وقال أبو بكر ﵁: ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ" (^٣).
وكان ابن تيمية ﵀ يقول: الذكر للقلب مثل الماء للسمك؛ فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء" (^٤).
_________
(^١) أخرجه الطبراني في الأوسط (٢٢٩٦) وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١٤٩٧). من حديث جابر ﵁.
(^٢) رواه أحمد (١١٧٧٤). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٢٥٤٣) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤/ ٢١٨): رجاله ثقات.
(^٣) رواه أحمد (١٥٦١٤).
(^٤) مجموع الفتاوى (١٠/ ٨٥).
1 / 15
المطلب الثالث: الذكر من صفات الأنبياء الأخيار والصالحين الأبرار
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)﴾ [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١].
وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: "سأَل موسى ربَّه عن ستِّ خِصالٍ، كان يظُنُّ أنَّها له خالصةٌ والسَّابعةُ لم يكُنْ موسى يُحِبُّها، قال: يا ربِّ أيُّ عبادِك أتقى؟ قال: الَّذي يذكُرُ ولا يَنسى. قال: فأيُّ عبادِك أهدى؟ قال: الَّذي يتَّبِعُ الهُدى. قال: فأيُّ عبادِك أحكَمُ؟ قال: الَّذي يحكُمُ للنَّاسِ كما يحكُمُ لنفسِه. قال: فأيُّ عبادِك أعلَمُ؟ قال: عالمٌ لا يشبَعُ مِنْ العِلمِ؛ يجمَعُ عِلمَ النَّاسِ إلى عِلمِه. قال: فأيُّ عبادِك أعَزُّ؟ قال: الَّذي إذا قدَر غفَر. قال: فأيُّ عبادِك أغنى؟ قال: الَّذي يَرضى بما يُؤتَى. قال: فأيُّ عبادِك أفقَرُ؟ قال: صاحبٌ
1 / 16
منقوصٌ" (^١).
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ "ثلاثةٌ لا يرُدُّ اللهُ دعاءَهم: الذاكرُ اللهَ كثيرًا، ودعوةُ المظلومِ، والإمامُ المُقسِطُ" (^٢).
_________
(^١) رواه ابن حبان في صحيحه (٦٢١٧) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣٣٥٠) وشعيب الأرناؤوط في تخريج صحيح ابن حبان (٦٢١٧).
(^٢) رواه البزار (٨٧٥١) والطبراني في الدعاء (١٣١٦) والبيهقي في شعب الإيمان (٥٨٨) باختلاف يسير، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٢١١).
1 / 17
المبحث الثاني
الترهيب من الغفلة عن ذكر الله ﷿-
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨)﴾ [الكهف: ٢٨].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (١٢٧)﴾ [طه: ١٢٤ - ١٢٧].
وقال الله ﷿: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)﴾ [الجن: ١٧].
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ، وَكَانَ لَهُمْ
1 / 18
حَسْرَةً" (^١).
وفي لفظ عند الترمذي: "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ".
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: "أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ" (^٢).
وعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ ورضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ، لَا لَهُ، إِلَّا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرُ اللَّهِ" (^٣).
وقال ابن عباس ﵄: الشيطانُ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدمَ؛ فإذا
_________
(^١) رواه أبو داود (٤٨٥٥) والترمذي (٣٣٨٠). وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٥٠٨)، وقال الوادعي في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (١٣٢٨): حسن على شرط مسلم.
(^٢) رواه الترمذي (٢٣٢٢) وابن ماجه (٤١١٢)، وحسنه ابن القيم في عدة الصابرين (١/ ٢٦٠) والألباني في الصحيحة رقم (٢٧٩٧).
(^٣) رواه الترمذي (٢٤١٢) وابن ماجه (٣٩٧٤)، وحسنه المناوي في تخريج أحاديث المصابيح (٢/ ٢٦٩).
1 / 19
ذَكَر اللهَ خَنَسَ، وإذا غَفَل وَسْوَسَ" (^١).
وقال ابن القيم ﵀: ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا تُرِك الذِّكرُ صَدِئ، فإذا ذُكِرَ جلاه.
وصدأُ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر؛ فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصداؤه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أَظْلَم، فلم تظهر فيه صور الحقائق كما هي عليه.
فإذا تراكم عليه الصدأ واسْوَدَّ، ورَكِبَهُ الرَّانُ، فسَدَ تصوُّره وإدراكه، فلا يقبل حقًا ولا ينكر باطلًا؛ وهذا أعظم عقوبات القلب.
_________
(^١) أخرجه البخاري معلقًا في آخر كتاب التفسير، بصيغة التمريض قبل حديث (٤٩٧٧) بنحوه، وأخرجه موصولًا أبو داود في الزهد (٣٣٧)، وابن أبي شيبة في المصنف (٣٥٩١٩) واللفظ لهما. وصححه الألباني في تخرجي مشكاة المصابيح (٢٢٢١).
1 / 20