ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حسبما ذكرناه في كتاب جامع أحكام القرآن، وثبت في الأمهات الموطأ والصحيحين وأبي داود والنسائي وغيرها من المصنفات والمسندات قصة عمر مع هشام بن حكيم، وفيه أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه، واختلف العلماء في المراد بالسبعة الأحرف على أقوال عديدة جماعها خمسة وثلاثون قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ذكرنا منها في مقدمة جامع أحكام القرآن خمسة أقوال، وتلك أمهاتها وإليها يرجع جلها، نذكر منها ها هنا قولا واحدا وهو أحسنها إن شاء الله تعالى، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم كسفيان بن عيينة وعبد الله بن وهب والطبري والطحاوي وغيرهم: إن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم. قال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة. قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف. فقال ميكائيل استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل استزده، حتى بلغ إلى سبعة أحرف. فقال اقرأ فكل شاف كاف. إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة على نحو هلم، وتعال، وأقبل، واذهب، وأسرع، وعجل. وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ {للذين آمنوا أنظرونا} {للذين آمنوا أمهلونا} {للذين آمنوا أخرونا} {للذين آمنوا أرقبونا} وبهذا الإسناد عن أبي أنه كان يقرأ {كلم أضاء لهم مشوا فيه} مروا فيه، سعوا فيه، وفي البخاري ومسلم قال الزهري: إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد لا تختلف في حلال ولا في حرام. قال الطحاوي: إنما كانت السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا القليل منهم، فلما كان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات ولو رام ذلك: لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، وسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرؤا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم تسعهم حينئذ أن يقرؤا بخلافها. قال أبو عمر بن عبد البر: فبان بهذا أن تلك السبعة الأحرف إنما كان في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك ثم ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد.
Bogga 32