إمكان وجود الشيء يكون له من نفسه ، ووجوبه يكون له من غيره. وكل ماله إمكان وجود تخصص. فإن كان ذلك الشيء مما يجتمع نوعه فى شخصه فقد تخصص إمكان وجوده بذاته ، ولا يصح وجود غير ذلك الشخص ولا يحتاج إلى سبب مرجح يرجحه على غيره ، إذ لا يصح وجود غيره. فإن لم يكن على هذا الوجه بل كان مما لا يجتمع نوعه فى شخصه وكان بحيث يصح وجود أى شخص كان من أشخاصه كانت المادة مستعدة لقبول أى شخص كان ، فيكون لذلك الشخص إمكان تخصص وتخصصه شيء من خارج. مثلا المادة الإنسانية مستعدة لقبول النفس الإنسانية ، ونسبتها إلى كل واحدة منها بالسوية. فإذا خصصها بقبول نفس دون نفس مخصص من خارج وتهيأت لذلك ، أفاض عليها واهب الصور تلك النفس التي تهيأت بتخصصاتها إذ لا توقف البتة فى فعله ولا إمكان ، بل إفاضته بالفعل دائما. وأفعال الناس بخلاف ذلك ، فنحن إذا أردنا مثلا أن نجعل ماء فى مكان فيجب أن نهيئ ذلك المكان لنستنقع فيه الماء. فإذا تهيأ وتخصص استعداده لذلك لم نكن نحن مفيضين عليه بالفعل ما قد تهيأ له ، بل نحن نعد بالقوة فإذا امتحنا إليه الماء حصل فعلنا عند ذلك بالفعل.
هيوليات الفلك ليس لها إمكان بعيد فلا تحتاج إلى مخصصات وإنما لها الإمكان القريب ، فتوجد دائما متخصصة من ذاتها لا من خارج. وهيوليات الأجسام الكائنة الفاسدة بخلاف ذلك ، فإن الهيولى لها إمكان أن تقبل الماء وهى فى حال ما هى قابلة فيها لصورة النار ، لكن ليس ذلك الإمكان كإمكانه لقبول صورة الماء وقد انسلخت عنها صورة النار فإنها عند ذلك متخصصة الاستعداد والإمكان لقبولها. ويشبه أن تكون النفس عند المفارقة تكون متخصصة الاستعداد لقبول الكمال ولا سيما إذا كانت زكية ، ولم يكن لها هيئة إلى البدن ومقتضياته من اللذات والشهوات الخسيسة والهيئات الرديئة.
كل نفس فلها إمكان مخصص لقبول الفيض إلا أن منها ماله إمكان بعيد فيحتاج إلى مخصص من خارج ، ومنها ما يكون له إمكان قريب فتتخصص من ذاتها لقبول الفيض.
النفس المفارقة لا تتشخص بوضع ، ولا بدن ، فلا محالة أن لكل واحدة منها اختصاصا بحال استفادتها من الشخص الذي كان لها قبل المفارقة ، إلا أنا لا نعرف ذلك الاختصاص.
المعنى الكلى لا يصدر عنه جزئى فإنه ليس بأن يتناول هذا الجزئى أولى منه بأن يتناول ذلك الجزئى ، فيكون ذلك سببه شيء مخصص لوجود هذا الجزئى مرجح له على غيره من الجزئيات. فالعلة المفارقة المبدعة للنفوس وإن كانت ذاتا واحدة فكأنه عام لعموم فعله فليس بأن تصدر عنه نفس أولى بأن تصدر عنه نفس (38 أ) أخرى. وكذلك المادة
Bogga 110