القوة الخيالية ثانيا فعلى هذه الصفة يجوز أن تكون تلك الأنفس تفيض عليها من العقل ما يكملها. إذا النفس مستعدة فى كلتا الحالتين لقبول ما يفيض عنه. ولا تحتاج فى قبول ذلك الفيض إلى قوة من قوى البدن ، إذ هى تقبل ما تقبله عن العقل من غير حاجة إلى وساطة متوسطة. فإذا كان ذلك كذلك فيشبه أن تكون بعد المفارقة تقبل عن العقل فيضه من غير حاجة إلى قوة من القوى. ثم إن كانت إنما تزكو وتطهر وتكمل من أجل مقارنتها للبدن فيجب أن يكون لها عند مفارقتها وهى غير مستكملة مواد تتخيل بها لتعلم من التخيل المعلومات فتستكمل ويكون لها حال بعد حال متجددة وتكون فى الحركة إذ هى من صفاتها .
الحكمة الإلهية تقتضى أن يبلغ كل شىء كماله الموجود فى حده ، لا كمالا يتجاوزه حده فإن هذا محال. فإنا لو توهمنا أنه يبلغ بالجسم كمالا ليس فى حده وهو أن يصير عاقلا لكان ذلك غلطا من الوهم ، والحال فى النفوس الغير المستكملة مشتبهة هل تبلغ بها عند المفارقة درجة النفوس المستكملة أم هذا مجاوزة به حده.
رأى القدماء فى النفس الباقية أن تتولد بين هذه النفس الإنسانية وبين العقول الفعالة نفس تكون تلك الباقية ، وهى غير النفس الإنسانية ، والنفس الإنسانية فانية.
ليس للحس سبيل إلى إثبات وجود الجسم. والدليل على ذلك أن العقل يكون بإزائه جسم يبصره لكن لا يثبته ما لم يقبل عليه بالفكر فحينئذ يثبت وجوده فإذن المثبت غير القوة الباصرة.
فرق بين ما يصير به الجسم جسما فإنه جزء من الجسم من حيث هو جسم ، وبين ما يصير به الجسم مقدارا : فليس شىء من المقادير يقوم الجسم بما هو جسم ، وإلا كان يكون ذلك المقدار مقوما لطبيعة الجسمية. فكأن كل جسم له ذلك المقدار.
الجزء بما هو جزء ليس يعرض للجسم بما هو جسم ، وإنما يعرض للجسم بسبب المقدار.
نفس الكمية مجردة عن الجسم. فلكل جسم مقدار عارض يعرض له من خارج يعد تقوم الجسم جسما.
المتصل يقال على وجهين : فتارة يقال لشىء متصل بغيره فيكون بالقياس إلى غيره متصلا ، وتارة لا يقال بالقياس إلى غيره وهو ما يمكن فرض جزءين فيه يجمعهما حد مشترك يكون نهاية لهما. والذي يقال بالقياس بغيره فتارة يلحق الأعظام بما هى أعظام فإن الجسم الذي نصفه أسود ونصفه أبيض هو شىء واحد من حيث عظمه.
Bogga 88