ونحن معلولها وهى علتنا ، والمعلول لا يفعل فى العلة البتة. وإنما سبب الدعاء من هناك أيضا لأنها تبعثنا على الدعاء ، وهما معلولا علة واحدة. وإذا لم يستجب الدعاء لذلك الرجل ، وإن كان يرى الغاية التي يدعو لأجلها نافعة ، فالسبب فيه أن الغاية النافعة إنما تكون بحسب نظام الكل لا بحسب مراد ذلك الرجل ، فربما لا تكون الغاية بحسب مراده نافعة فلذلك لا تصح استجابة دعائه. والنفس الزكية عند الدعاء قد تفيض عليها من الأول قوة تصير بها مؤثرة فى العناصر فتطاوعها العناصر متصرفة على إرادتها ، فيكون ذلك إجابة للدعاء ، فإن العناصر موضوعة لفعل النفس عنها. واعتبار ذلك فى أبدانها صحيح فإنا ربما تخيلنا شيئا فتتغير أبداننا بحسب ما تقتضيه أحوال نفوسنا وتخيلاتها. وقد يمكن أن تؤثر النفس فى غير بدنها ، كما تؤثر فى بدنها ، وقد تؤثر النفس فى نفس غيرها ، كما يحكى عن الأوهام التي تكون لأهل الهند إن صحت الحكاية. وقد تكون المبادي والأول تستجيب لتلك النفس إذا دعت فيما تدعو فيها إذا كانت الغاية التي تدعو فيها نافعة بحسب نظام الكل.
كل ما يصدر عن واجب الوجود فإنما يصدر بواسطة عقليته له. وهذه الصورة المعقولة له يكون نفس وجودها نفس عقله لها ، لا تمايز بين الحالين ولا ترتيب لأحدهما على الآخر ، فيكون عقله لها ممايزا لوجودها عنه. فليس معقوليته لها غير نفس وجودها عنه. فإذن من حيث هى موجودة هى معقولة ومن حيث هى معقولة هى موجودة ، كما أن وجود البارى ليس إلا نفس معقوليته لذاته. فالصور المعقولة له يجب أن يكون نفس وجودها عنه نفس عقليته لها ، وإلا إن كانت مقولات أخرى علة لوجود تلك الصور كان الكلام فى تلك المعقولات كالكلام فى تلك الصور ويتسلسل إلى غير النهاية. فإنه يجب أيضا أن تكون قد عقلت أولا حتى وجدت وذلك إلى ما لا نهاية ، أو تكون إنما عقلت لأنها وجدت فيكون علة معقوليتها وجودها ، وعلة وجودها معقوليتها ، فيلزم أن تكون علة معقوليتها معقوليتها وعلة وجودها وجودها.
الصور المعقولة إما أن توجد عنه بعد أن تكون معقولة فتكون قبل وجودها عنه موجودة لأنها إن لم تكن موجودة لم تكن معقولة ، فإن ما هو غير موجود لا يعقل ، فيلزم إذا كانت موجودة أن تتقدمها عقليته لها ، وذلك إلى غير نهاية. والكلام فى ذلك كالكلام فى هذا ، لأنها كانت معقولة له. وهى أيضا من لوازمه ، فتكون قد عقلت هذه أيضا بواسطة صور معقولة أخرى الكلام فيها كالكلام فى هذه ويتسلسل الأمر.
إن قيل : إنما وجدت هذه اللوازم لأنها عقلت ، وعقليته لها التي هى سبب وجودها
Bogga 48