بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العليم المهيمن المبين،والصلاة على مصطفيه على العالمين ممجتبيه من الاولين والاخرين، محمد وآله الطاهرين وعترته الاطهرين وحامته الاقربين وأهل بيته الاطيبين.
قول الشيخ الحديث الحافظ الناقد الراوية أبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي رحمه الله تعالى فيما أورده شيخ الطايفة في كتاب الاختيار من كتابه: حمدويه.
باهمال الحاء وفتحها وفتح الواو بين الدال المهملة المفتوحة والياء المثناة من تحت الساكنة "ويه" أو "ويها" كلمة اغراء بالشيء واستحثاث عليه تنون بالرفع والنصب ويستوي فيها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وذهب فيها قوم الى البناء فقيل: يبنى على الضم وقيل: بل على الكسر مطلقا، ويكون للصوت يختم به الاسم كسيبويه وسختويه وبابويه وقولويه، وكل اسم ختم ب"يه" ففيه لغات مختلفة بالجزم والكسر والضم والأشهر فيه الكسر.
Bogga 3
- واختاره الجوهري في الصحاح قال: وويه كلمة يقال في الاستحثاث، واما سيبويه ونحوه من الأسماء فهو اسم مبني (1) مع صوت فجعلا اسما واحدا، وكسروا آخره كما كسروا غاق لأنه ضارع الأصوات وفارق خمسة عشر، لان اخره لم يضارع الأصوات فينون في التنكير، ومن قال هذا سيبويه ورأيت سيبويه واعرابه (2) باعراب مالا ينصرف ثناه وجمعه، فقال: السيبويهان والسيبويهون، واما من لم يعربه فإنه يقول في التثنية ذوا سيبويه وكلاهما سيبويه، ويقول في الجمع ذو وا سيبويه وكلهم سيبويه (3).
والنسخ المضبوطة مختلفة في نصير بضم النون وفتح المهملة على التصغير وبالفتح والكسر على فعيل.
واختلف قول الحسن بن داود في كتابه: ففي ترجمة الرجل خالف العلامة في ضبط اسم أبيه فقال: حمدويه بفتح الحاء وبالدال المهملتين والصوت ابن نصير بالفتح ابن شاهي بالمعجمة أبو الحسن لم جخ أوحد زمانه لا نظير له (4).
وفي ترجمة أخيه إبراهيم كان قد طابقه في الخلاصة وقال: إبراهيم بن نصير بالتصغير والصاد المهملة الكشي لم جخ ثقة مأمون كثير الرواية (5).
فكأنه قد ذهل عن كون حمدويه وإبراهيم أخوين من جهة الأب، أو رجع في ضبط أبيهما أخيرا عما (6) قد ضبطه أولا وهذا أظهر .
Bogga 4
والكشي بفتح الكاف واعجام الشين المشددة نسبة إلى كش بالفتح والتشديد، البلد المعروف على مراحل من سمرقند منه كثير من مشيختنا ورجالنا وعلماؤنا، وضم الكاف فيه من الأغلاط الدائرة على ألسن عوام الطلبة كما التشديد في النجاشي قال الفاضل المهندس البرجندي في كتابه المعمول في مساحة الأرض وبلدان الأقاليم: كش بفتح الكاف وتشديد الشين المعجمة من بلاد ما وراء النهر بلد عظيم ثلاثة فراسخ في ثلاث فراسخ، والنسبة إليه كشي.
وأما ما في القاموس: الكش بالضم الذي يلقح به النخل وكش بالفتح قرية بجرجان (1). فقد أوردت في الرواشح السماوية (2) أنه من أغلاط الفيروزآبادي، وعلى تقدير الصحة فليست هذه النسبة إلى تلك القرية ولا في المعروفين من العلماء والمحدثين من يعد من أهلها، فمن كش ما وراء النهر أبو عمرو الكشي صاحب كتاب الرجال وشيخه حمدويه ابن نصير الكشي والعياشي محمد بن مسعود الكشي.
قال الشيخ في كتاب الرجال في باب لم: حمدويه بن نصير بن شاهي سمع يعقوب بن يزيد، يروي عن العياشي يكنى أبا الحسن عديم النظير في زمانه كثير . العلم والرواية ثقة حسن المذهب (3).
قوله رحمه الله: عن محمد بن سنان
العلامة رحمه الله تعالى في المختلف والمنتهى كثيرا ما يستصح الحديث وفي الطريق محمد بن سنان، وفي الخلاصة توقف في صحة حديثه (4).
Bogga 5
وكلام الأصحاب فيه مختلف، وسيجئ في كلام أبي عمرو الكشي (رحمه الله تعالى) أنه يروي عن محمد بن سنان جماعة من العدول والثقاة وأهل العلم، وذلك آية حسن حاله.
وقد وثقه الشيخ المفيد، وقول الشيخ في مواضع من كتبه قد اختلف بتوثيقه وتضعيفه، وبالجملة لا كلام في هذا السند الامن جهة محمد بن سنان، فان قلنا فيه بالتوثيق فهذا الخبر صحيح.
قوله رحمه الله:
صحيح.
قوله رحمه الله: الختلي
بضم الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق المفتوحة وختل كسكر كورة بما وراء النهر.
قوله رحمة الله: سليمان الخطابي
ذكر الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن الكاظم عليه السلام سليمان ابن خالد الخطاب (1).
Bogga 6
قوله رحمة الله: سويد النسائي
الصحيح السايي كما في نسخ كثيرة باهمال السين قبل الألف ثم الياء المثناة من تحت، نسبة إلى ساية قرية من قرى المدينة ينمعلى ما هو المشهور.
وفي القاموس: الساية فعلة من التسوية وقرية بمكة أو واد بين الحرمين، وضرب لي ساية هيأ لي كلمة (1).
قال الشيخ رحمه الله في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن الرضا عليه السلام: علي بن سويد السايي ثقة روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام (2).
وقال النجاشي: وقيل إنه روى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (3).
وفي أكثر النسخ العتيقة عن علي بن سويد النسائي بفتح النون قبل السين والهمزة بعد الألف، وهو المروي عن السيد جمال الدين أحمد بن طاوس قدس الله نفسه الزكية، وقد كتب بخطه بخطه يعني بخط الشيخ أبي جعفر الطوسي في كتاب الاختيار من كتاب الكشي وهو هذا الكتاب.
والنسائي نسبة إلى نساء بفتح النون القصبة المعروفة من خراسان وفي القاموس: انها قرية من سرخس (4).
Bogga 7
قوله عليه السلام: وخانوا أماناتهم
ربما وجد في نسخة غير معول عليها وخونوا أماناتهم من باب التفعيل، فإذا صحت الرواية بذلك فالتشديد للتكثير والمبالغة كما في حمده تحميدا، لا للنسبة إلى الخيانة وإن كان هو السابق إلى أوهام المتوهمين، يقال خونه تخوينا أي نسبة إلى الخيانة ونقض العهد وحسبه خائنا غادرا، كما يقال جهله تجهيلا إذا نسبه إلى الجهل والجهالة وحسبه جاهلا، إذ لا يستقيم ذلك الا اعتبارا بقياس حال الخائن لا باعتبار قياس حال المخون.
والصحيح وخانوا أماناتهم على ما في عامة النسخ لاغير، من الخيانة ضد الأمانة وتعتبر بالإضافة إلى من خين ونكث عهده وبالإضافة إلى ماخين فيه وهو العهد والبيعة والود والخلة مثلا.
قال صاحب الكشاف في الأساس: خانه في العهد وخانه العهد وأختان المال وأختان نفسه (1).
وقال الراغب في المفردات: الخيانة والنفاق واحد الا ان الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتداخلان، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر، ونقيض الخيانة الأمانة يقال: خنت فلانا وخنت أمانة فلان، وعلى ذلك قوله عز وجل " لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم (2) " وقوله تعالى " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما (3) "
Bogga 8
وفي قوله تعالى " ولا تزال تطلع على خائنة منهم (1) " أي على جماعة خائنة، وقيل:
على رجل خائن يقال: رجل خائن وخائنة نحو رواية وداهية، وقيل: خائنة موضوعة موضع المصدر نحو قم قائما أي قياما وقوله عز وجل " يعلم خائنة الأعين (2) " على ما تقدم (3).
وقال صاحب المغرب في المغرب: الخيانة خلاف الأمانة وهي تدخل في أشياء سوى المال، من ذلك قوله: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، وأريد بها في قوله تعالى " واما تخافن من قوم خيانة (4) " نكث العهد ونقضه وقد خانه، ومنه تقول: النعمة كفرت (5) ولم اشكر وتقول: الأمانة خنت ولم احفظ وهو فعلت على ما لم يسم فاعله، وخائنة الأعين مسارقة النظر، ومنه الحديث، ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين انتهى.
وأما الأختيان فعلى الافتعال من الخيانة ومعناه مراودة الخيانة ومواثبتها والمسارعة والمبادرة إليها، قال عز من قائل " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم (6) " ولم يقل تخونون أنفسكم فليعرف.
قوله عليه السلام: انهم أو تمنوا على كتاب الله
افتعالا من الأمانة على صيغة المجهول يقال: أمنته على كذا بالكسر في الماضي من باب علم، وائتمنته عليه أيضا فيهما بمعنى واحد.
وقال في الصحاح: وقرئ " مالك لا تأمنا على يوسف " بين الادغام وبين الاظهار، قال الأخفش: والادغام أحسن، وتقول: أو تمن فلان على ما لم يسم فاعله،
Bogga 9
فان ابتدأت به صيرت الهمزة الثانية واوا، لان كل كلمة اجتمع في أولها همزتان وكانت الأخرى منهما ساكنة فلك أن تصيرها واوا إن كانت الأولى مضمومة، أو ياءا إن كانت الأولى مكسورة نحو ائتمنه، أو ألفا إن كانت الأولى مفتوحة نحو آمن (1).
قوله عليه السلام: انتحال المبطلين (2)
انتحل الشعر وتنحله ادعاه لنفسه وهو لغيره، ونحله القوم كمنعه نسبه إليه وهو برئ عنه. فانتحال المبطلين اشراق (3) المبطلة من المحقة شيئا من الطريقة الحقة، وجعلهم إياه نحلة لأنفسهم واسنادهم إليهم ما ليس من مذهبهم، ومحاولتهم بيان انطباق ما في الدين الحق على ما في عقيدتهم الباطلة، مثال ذلك استراق الأشاعرة من الحكماء الإلهيين استناد وجود كل ممكن إلى الواجب بالذات حقيقة، وأن قدرة الباري الواجب بالذات واختياره مما لا يوجب كثرة في جهات ذاته الاحد الحق وحيثياته كما في من عداه من المختارين، وأن ذاته الأحدية الصمدية غاية الغايات لك تقرر ووجود على الاطلاق.
ثم اسنادهم إليهم القول بنفي تأثير ممكن في ممكن وعلية ممكن لممكن بوجه من الوجوه أصلا، ونفي القول بكونه سبحانه قادرا مختارا، ونفي تعليل أفعاله تعالى بالعلة الغائية مطلقا. وهم براء عن ذلك كله فليعلم.
Bogga 10
قوله عليه السلام: تحريف الغالين
بالتشديد أي المغشوشين في الاعتقاد الخائنين في الدين من الغل بالكسر الغش، والغلول بالضم الخيانة وأو بالتخفيف من الغلو بضمتين وشدة الواو أي الذين يغلون في دينهم ولا يبالون من المغالاة في ملتهم.
وقال في المغرب: غل فلان كذا من باب طلب إذا أخذه ودسه في متاعه، وقد نسي مفعوله في قولهم غل من المغنم غلولا إذا خان فيه وقالوا: الغلول والأغلال الخيانة الا ان الغلول في المغنم خاصة والأغلال عام، ومنه ليس على المستعير غير المغل ضمان أي غير الخائن.
وفي الصحاح: قال ابن السكيت: لم نسمع في المغنم الأغل غلولا، وقرئ " ما كان لنبي أن يغل (1) قال: فمعنى يغل يخون ومعنى يغل يحتمل معنيين:
أحدهما يخان يعني أن يؤخذ من غنيمته، والاخر يخون أي ينسب إلى الغلول، وقال أبو عبيد: الغلول من المغنم خاصة ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغل يغل، ومن الحقد غل يغل بالكسر، ومن الغلول غل يغل بالضم (2).
وفي مجمل اللغة: فأما قوله صلى الله عليه وآله ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن، فمن قال:
لا يغل فهو من الأغلال ومن قال: لا يغل فهو من الغل وهو الضغن ، ومثل ذلك في الفائق والنهاية (3).
قوله عليه السلام: وتأويل الجاهلين
التأويل والتأول من الأول أي الرجوع إلى الأصل، ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه، يقال: أول القرآن وتأوله وهذا متأول حسن واستآله طلب تأويله وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المتوخاة منه علما كان أو فعلا، ففي العلم نحو قوله
Bogga 11
ما يعلم تأويله الا الله (1) " وفي الفعل كما في قوله سبحانه " هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله (2) " أي مصيره ومنتهاه الذي هو غايته المقصودة منه، ومنه قوله جل سلطانه " ذلك خير وأحسن تأويلا (3) قيل: أحسن معنى وترجمة وقيل: أحسن ثوابا ومثوبة في الآخرة.
والمشهور في الاصطلاح أن التفسير ما يتعلق بظاهر السياق، والتأويل ما يتعلق بدخلة الباطن، والمروم في هذا الحديث ما يعم السبيلين كما في حديثه عليه السلام: منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله. يعني به أمير المؤمنين عليا عليه السلام.
ومن طريق رئيس المحدثين أبي جعفر الكليني في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العلماء ورثة الأنبياء وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وانما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (4).
والطريق محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عنه (عليه السلام) وأبو البختري هذا هو وهب بن وهب القرشي المدني، وكان قاضيا عامي المذهب كذابا، ولو لاه لكان السند صحيحا.
فاما طريق هذا الكتاب فصحيح نقي، والصواب فيه علي بن محمد بن فيروزان القمي كما في أكثر النسخ الموثوق بصحتها، وكذلك أورده الشيخ في كتاب الرجال وما في نسخ عديدة محمد بن علي بن فيروزان بالتقديم والتأخير فمن غلط الناسخين.
Bogga 12
قوله رحمه الله: محمد بن مسعود
هو العياشي الجليل القدر الواسع العلم الثقة من أهل سمرقند وكش. وعلي بن محمد هو ابن فيروزان القمي.
قال الشيخ في كتاب الرجال: انه كثير الرواية يكنى أبا الحسن كان مقيما بكش (1).
قوله رحمه الله: عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه
وهو أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي عمن ذكره. ومن طريق أبي جعفر الكليني في الكافي: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عمن ذكره الحديث بعينه (2).
قوله عليه السلام: علمه الذي يأخذه عمن يأخذه
الانسان من جوهرين: نفس مجردة عاقلة فطرة جوهرها من عالم الامر، وموئل ذاتها ومصير أمرها إلى إقليم القدس ومستقر الحياة وهي الانسان الحقيقي الذي إليه الخطاب وعليه الحساب في النشأتين، فهيكل هيولاني طينة عنصره من عالم الخلق وصيور عمره المسير إلى مهواة الدثور والبوار في مفعات الأجداث والارماس.
فهو بما هو الانسان الحقيقي أي بحسب جوهر نفسه المجردة، انما طعامه الروحاني وغذاه العقلاني بالذات وعلي الحقيقة حقائق العلم وأسرار الحكمة ودقائق المعارف ولطائف المعرفة، اقتداءا بملائكة الله المقرنين، من الأنوار العقلية والجواهر القدسية، فان طعامهم التسبيح والتحميد وشرابهم التقديس والتمجيد.
Bogga 13
وأما طعام البدن الهيولاني الذي هو آلة أدوية لما هو الانسان حقيقة في تحريكاته وتصريفاته ما دامت له هذه الحياة الظاهرية البائدة من الأغذية الجسمانية والأطعمة الجرمانية، فربما يسند إليه بالعرض وبالمجاز العقلي إذ لم يعتبر في صحة الاتصاف بالعرض وتسويغ التجوز العقلي في الاسناد كون المسند إليه مما من شأنه في حد ذاته أن يتصف بالذات بذلك الوصف المسند إليه بالعرض.
ومن ثم يقال على التجوز العقلي أنا جالس وأنا متحرك على علم يكمون المعبر عنه بأنا هو النفس المجردة التي هي وراء إقليم القيام والقعود والحركة والسكون، فاما إذا اعتبر ذلك على ما عليه السواد الأعظم من رؤوساء العلوم العقلية فلا يتصحح الاسناد بالعرض من غير تسامح وتوسع الا فيما لا يكون خارجا عن الجنس، كما في أسناد حركة السفينة إلى جالسها اسنادا بالعرض لاعلى سبيل التوسع والتسامح.
فاذن ان سير إلى المسلك المتوسع فيه صح في تأويل قول الله الكريم وتفسيره حمل طعام الانسان المأمور بالنظر إليه على الأعم من الجسماني الذي هو طعام بدنه والروحاني الذي هو طعام جوهر ذاته وإن كان الأخير أبلغ وأولى وبالاعتبار أحق وأحرى، وان صير إلى المذهب الحق المعتبر على جادة الحقيقة لامن سبيل التوسع تعين الحمل على الأخير الذي هو الحق المحقوق بالاعتبار لاغير، فلذلك نص عليه مولانا أبو جعفر الباقر عليه السلام بالتعيين، فليتعرف وليتبصر.
ومن الحديث في هذا الباب: اغد عالما أو متعلما ولا تكن أمعة (1).
قال ابن الأثير في النهاية: الإمعة بكسر الهمزة و (تشديد) الميم الذي لا رأي معه، فهو تابع كل أحد على راية، والهاء فيه للمبالغة، ويقال فيه إمع أيضا، ولا يقال للمرأة أمعة، وهمزته أصلية لأنه لا يكون أفعل وصفا، وقيل: (هو الذي) يقول لكل أحد أنا
Bogga 14
معك، ومنه حديث ابن مسعود لا يكونن أحد كم أمعه قيل وما الأمعة؟ قال: الذي يقول أنا مع الناس (1).
وقال أبو الحسين أحمد بن فارس في مجمل اللغة: الأمعة الذي يكون مع ضعف راية مع كل أحد وهو ضعيف الرأي، قال ابن مسعود: لا يكونن أحدكم أمعة.
وتأمع واستامع صار أمعة قاله في القاموس (2).
قوله رحمه الله: ماهويه
بفتح الواو واسكان الياء المثناء من تحت على الصوت، كما في سيبويه ونفتويه (3). وسيجئ ذكر أخيه في الغلاة وتخصيص الذم به دونه يدل على استقامة عقيدة أبي الحسن أحمد وسلامته عن الطعن، وإياه يعنون حيث يقولون ابن ماهويه وهو كثير الرواية جدا.
قوله رحمه الله: وكتب أخوه أيضا
أخوه فارس بن حاتم غال ملعون كان نزيل العسكر، وقد لعنة أبو الحسن الهادي عليه السلام، وكذلك أخوه الاخر طاهرين حاتم غال كذاب انحرف عن السبيل وأظهر القول بالغلو بعد ما كان مستقيما صحيحا، روى عنه محمد بن عيسى بن عبيد في حال استقامته.
وفي كلام الشيخ والنجاشي وابن الغضايري أن لأخيه فارس أيضا حال استقامة ثم تغير وخلط وفسد، فهذه المكاتبة منه كانت في حال الاستقامة
Bogga 15
قوله عليه السلام: مستن في حبنا
على اسم الفاعل افتعالا من السنن بالفتح بمعنى الطريق، أو من السنة بمعنى الطريقة، أو من استنت الطريق بمعنى وضحت واستن المطر إذا كثر جرى الوابل، وازداد السيل في مستنه أي محل جريانه وسيلانه، وسن الأمير رعيته أحسن سياستهم والقيام بالامر فيهم، وسن فلان ابله أرسلها في الرعي وأحسن القيام إليها حتى كأنه صقلها، وسن الماء على وجهه صبه عليه وتعهد حسن استيعابه بالغسل.
والمعنى: فاصمدا أي اعتمدا في دينكما على مستن واضح الاستنان بسنة المعرفة وسنن الهداية في ولايتنا، وعلى كل كبير التقدم في سبيل الحق بطريق الأمم والصراط السوي في أمرنا.
وفي طائفة من النسخ (1) " على مسن " بضم الميم وكسر السين على اسم الفاعل من باب الافعال يقال: أسن إذا كبر بكسر الباء من باب علم أي طعن في السن وصار شيخا كبيرا في العمر والتجريب، أو بكسر الميم وفتح السين على اسم الآلة استعارة من المسن وهو ما به يحدد السكين والسيف وغيرهما.
وكل كثير القدم بالثاء المثلثة من قولهم لفلان قدم في هذا الامر أي سابقة وتقدم، وله قدم صدق أي رسوخ معرفة وثبات يقين واثرة حسنة.
قوله عليه السلام: فإنهم كافو كما
على اسم الفاعل للجمع (2) من الكفاية واسقاط نون الجمع بالإضافة إلى ضمير التثنية للخطاب.
Bogga 16
قال في الصحاح: كفاه مؤنته كفاية وكفاك الشيء يكفيك واكتفيت به واستكفيته الشيء فكفايته (1)، وهذا رجل كافيك من رجل ورجلان كافياك من رجلين ورجال كافوك من رجال (2).
وفى عدة نسخ كافو تكما بالتاء المثناة من فوق بعد الواو على وزن التابوت، وهو فاعول من الكفت بمعنى الجمع والقبض والضبط. يقال كفت الراعي مواشية كفتا أي جمعها وضم بعضها إلى بعض ومنه في الحديث: اكفتوا صبيانكم بالليل. أي ضموهم إليكم عند انتشار الظلام. وكل ما ضممته إلى شيء فقد كفته. وفي رواية لا ترسلوا مواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء واللهم أكفته إليك أي اقبضه. والأرض تكفت (عند انتشار الظلام) (3) الناس أحياءا وأمواتا وهي كفاتهم أي تجمعهم قال عز من قائل " ألم نجعل الأرض كفاتا أحياءا وأمواتا (4) " والكفت أيضا السوق الشديد. ورجل كفت أي سريع شديد.
وفي الحديث حبب إلي النساء والطيب ورزقت الكفيت. قال ابن الأثير: أي ما اكفت به معيشتي يعني أضمها وأصلحها (5).
لا فعلوه من الكوفة كما قد يتوهم يقال: تكوف القوم أي استداروا وأنه لفي كوفان أي في حرز ومنعة.
وفي النهاية الأثيرية في حديث سعد: لما أراد أن يبني الكوفة قال: تكوفوا في هذا الموضع، أي اجتمعوا فيه وبه سميت الكوفة، وقيل: كان اسمها قديما
Bogga 17
كوفان (1).
وأما التابوت أي الصندوق فليس بفاعول لقلته (2) نحو سلس وقلق، بل فعلوت من التوب الرجوع، فإنه لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه، وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته، لا فعلوت منه إذ أصله تابوة مثل ترقوة فلما سكنت الواو انقلبت هاء التأنيث تاءا على مذهب الصحاح.
وفي الكشاف جعله فعلوتا قال: وأما من قرأ بالهاء فهو فاعول عنده الا فيمن جعل هاءه بدلا من التاء لاجتماعهما في الهمس، وأنهما من حروف الزيادة ولذلك أبدلت من تاء التأنيث. قيل: كان منحوتا من خشب الشمشاد مموها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين (3).
فيه سكينة: أي حكمة.
وفي المفردات: انه عبارة عن القلب والسكينة وعما فيه من العلم، ويسمى القلب سفط العلم وبيت الحكمة وتابوته ووعاءه وصندوقه (4).
وفي أساس البلاغة: ما أودعت تابوتي شيئا ففقدته، أي ما أودعت صدري علما فعدمته (5).
وقال الجوهري: قال القاسم بن المعن: لم تختلف لغة قريش والأنصار في شيء من القرآن الا في التابوت، فلغة قريش بالتاء ولغة الأنصار بالهاء (6).
Bogga 18
وفي عصبة من النسخ: كانوا نكما بنونين من حاشيتي الواو كقانون على فاعول، أي ملاك صون دينكما وحفظ سركما وجمع شملكما، من كننت الشيء في كنه إذا صننته، وأكننت الشيء أخفيته وأضمرته في نفسي، والكنانة معروفة وهي التي تجعل فيها السهام، والكانون الموقد والمصطلى ويقال أيضا: الكانون للرجل الثقيل الذي يلازم كما قال الشاعر:
أغربالا إذا استودعت سرا وكانونا على المتحدثينا وكانون القوم الذي يكنون عنه الحديث على ما في الصحاح ومجمل اللغة وأساس البلاغة (1).
قوله رحمه الله: الا أن سيوفنا
بفتح الهمزة وتخفيف اللام على حرف التنبيه والتحقيق، أو بالكسر والتشديد على كلمة الاستثناء، أو بمنزلة الواو للعطف أو للحال.
قوله عليه السلام: تشرطوا
التشرط والتشارط والاشتراط تفعل وافتعال من الشرطة.
قال في الأساس: وهؤلاء شرطة الحرب لأول كتيبة تحضرها، ومنه صاحب الشرطة، والصواب في الشرطي سكون الراء نسبة إلى الشرطة والتحريك خطأ، لأنه نسب إلى الشرط الذي هو جمع (2).
وفى المغرب: الشرطة بالسكون والحركة خبار الجند وأول كتيبة تحضر
Bogga 19
الحرب والجمع شرط، وصاحب الشرطة (في باب الجمعة (1)) يراد به أمير البلدة كأمير التجار، أو قيل هذا على عادتهم لان أمور الدين والدنيا كانت حينئذ إلى صاحب الشرطة فأما الان فلا، والشرطي بالسكون والحركة منسوب إلى الشرطة على اللغتين لا إلى الشرط لأنه جمع.
قلت: فالشرط بضم الشين وفتح الراء جمع والشرطة بضمتين لغة في الشرطة بالضم والسكون، والنسبة إلى الشرطة بكل من اللغتين لا إلى الشرط الذي هو جمع ففي كلام الأساس التباس.
قوله عليه السلام: من تشارطوا
بفتح الميم أي اضمامة تشارطوا.
وفي بعض النسخ مكان من من بني إسرائيل (2)، فما مات أحد منهم أي من المتشارطين الا وقد جعله الله تعالى بعد ذلك التشارط وقبل الممات نبيا، اما لقومه أي لبني إسرائيل جميعا أولا هل قريته فقط أو لنفسه خاصة، وانكم أنتم لبمنزلتهم فحق على الله تعالى ان يجزل أجركم ويرفع ذكركم، غير أن النبوة ختم بمحمد صلى الله عليه وآله لا تحصل لاحد بعده، فلا يصح لكم أن تكونوا أنبياء.
قوله رحمه الله: وأبو عمرو بن عبد العزيز
هو أبو عمرو الكشي صاحب هذا الكتاب نفسه، وذلك أن محمد بن نصير يروي عنه محمد بن مسعود العياشي أبو النضر السمرقندي لا بواسطة، ويروي عنه
Bogga 20
أبو عمرو الكشي بواسطة أبي النضر العياشي كثيرا، ويروي عنه أيضا تارات من غير واسطة كما ذكره الشيخ في كتاب الرجال . وهذا الحديث روياه جميعا عنه وحدثهما إياه معا، فسياق القول أن محمد بن مسعود العياشي وأبا عمرو الكشي رحمهما الله تعالى قالا جميعا حدثنا محمد بن نصير رحمه الله.
فالطريق عالي الاسناد في الطبقة الأولى.
قال العلامة في الخلاصة محمد بن نصير بالياء بعد الصاد المهملة من أهل كش ثقة جليل القدر كثير العلم وروى عنه أبو عمرو الكشي (1).
وهو حكاية قول الشيخ بعبارته.
وقال الحسن بن داود في كتابه: محمد بن نصير بضم النون والصاد المهملة المفتوحة من أهل كش لم جخ ثقة جليل القدر كثير العلم (2).
وما في بعض النسخ وأبو عمر بن عبد العزيز من غير واو، فاما ايهام من النساخ واما بناء على تسويغ اسقاط واو عمرو في الكنية المضافة إلى المضمر أو المظهر وفي الاسم عند النسبة إليه، وكذلك اثبات واوي داود في الكنية بالإضافة وفي الاسم بالنسبة إليه، كما ربما يدعي ويظهر من شرح النواوي لصحيح مسلم.
قوله رحمه الله: عن أبي الحسن العرني
ويقال بالتصغير من أصحاب أبي الحسن الثاني الرضا عليه السلام، اسمه محمد بن القاسم. ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه السلام في باب من لم يسم عن فقال: أبو الحسين محمد بن القاسم العرني عن
Bogga 21
رجل من جعفي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) ونسخ كتاب الرجال مختلفة فيه باهمال العين المضمومة والراء المفتوحة قبل النون واعجامه الغين والزاء، كما نسخ هذا الكتاب مختلفة كذلك، ولعل الاختلاف مبناه أن محمد بن القاسم من أصحاب الرضا عليه السلام مشترك بين رجلين ذكرهم الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام أحدهما محمد بن القاسم النوشجاني (2) بالنون قبل الواو والمعجمة قبل الجيم والنون بعد الألف نسبة إلى قبيلة.
وفي القاموس: النوشجان قبيلة أو بلد (3).
وهو أبو الحسين محمد بن القاسم العرني بالعين المهملة والراء الاددي بضم الهمزة ودالين مهملتين، أو الادي بالهمزة المضمومة واهمال الدال المشددة. وأدد كعمر مصروفا بمنزلة ثقب وبضمتين أبو قبيلة من اليمن من بجلية، واد بن طانجة بن الياس بن مضر أبو قبيلة اخري.
والاخر محمد بن القاسم البوسنجي بالموحدة قبل الواو والنون بين السين المهملة والجيم، أبو الحسن الغزني باعجام الغين والزاء نسبة إلى غزته بالتحريك (4).
قال في القاموس: بوسنج معرب بوشنك بلد من هراة (5).
وقال الفاضل البرجندي: فوشنج بضم الفاء وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وسكون النون ثم جيم من بلاد خراسان كان معمورا فخرب وهو اليوم غير عامر.
Bogga 22