Cuntada Adduunkii Hore
الطعام في العالم القديم
Noocyada
شكل 5-4: يظهر الحبار المقلي والمطهي بالغلي في الكثير من الأطباق القديمة (أولسون وسينس 2000: 206). يذكر جالينوس وديسقوريدوس الاستعمالات الطبية؛ إذ يقول جالينوس إن الحبار مغذ ولكنه يؤدي إلى ظهور قدر كبير (وربما إلى حد خطير) من الأخلاط النيئة. وسلط أرسطو الضوء على ذكاء الحبار، وربما كان لذكائه هذا دور في ربطه بإلهة البحر ثيتيس. (حصلنا على نسخة من الصورة بإذن من كبير كهنة كاتدرائية إكستر ورجال الكنيسة العاملين بها.)
وتتعلق السمة الثالثة من سمات الأسماك بمذاقها اللذيذ. كان تناول الأسماك مستحسنا لدى من كان بوسعهم شراء الأسماك - كما يبين الكثير من النصوص - ولدى أركستراتوس بالتحديد. وكان استهلاك الأسماك منتشرا أيضا في روما، وذلك على الرغم من التفسير الروماني لتاريخ روما باعتبار أن شعبها يعتمد في كسب رزقه على الزراعة، ويعتمد في غذائه على الخبز المصنوع من القمح الثنائي الحبة ولحم الخنزير. يشير أوفيد في قصيدة «الأعياد» (6، 169) إلى أن الإلهة كارنا الراعية لمفصلات الأبواب - وهي إلهة الأيام الخوالي - تتوقع تقديم قرابين من لحم الخنزير ولحم الخنزير المقدد، وتزدري الأطعمة الحديثة مثل الأسماك والطيور المستوردة من شمال أفريقيا واليونان؛ وقد ذكرنا هذه الفقرة من قبل. وهذه صياغة متطرفة لهوية روما في عصر الجمهورية، ويبدو فعلا أنها كانت تقوم على اقتصاد زراعي قائم على المواطنين المزارعين، ولا بد من تذكر الأمثلة المقابلة لضمان رؤية متوازنة للصورة. كولميلا له كتاب عن الزراعة يقوم على أساس أيديولوجي شديد يهتم بالأرض والتقاليد، وهو لا يتردد في وصف المزارع السمكية، بل موقع الكائنات البحرية أيضا في مناطق معينة من البحر المتوسط. وكان من عادة كاتو الأكبر - الروماني المرموق من عصر الجمهورية، على حد تعبير بلوتارخ والكثير من الكتاب الآخرين - شراء الأسماك واللحم أيضا («كاتو الأكبر» 4، بلوتارخ)، وإن كان يحرص على تجنب الإفراط في الإنفاق على شراء قطع لحم باهظة الثمن. وفي كتاب «حياة أغسطس»، يخبرنا سيوتونيوس (76) أن الإمبراطور أغسطس كان يتبع النظام الغذائي الذي يتبعه عامة الناس وهو بمفرده، وكان ذلك النظام الغذائي يتضمن الأسماك.
ومن الممكن أن نناقش ثلاث أفكار استرشادية أخرى. يهتف بلينوس (في «التاريخ الطبيعي» 9، 53)، بعد مناقشة بخصوص المحار، قائلا: «لماذا أذكر هذه الأمور التافهة في الوقت الذي يشكل فيه المحار أكبر مصدر للفساد الأخلاقي والترف؟ الحقيقة أننا نجد البحر - من بين كل عناصر الطبيعة - مضرا للغاية بالمعدة بطرق لا حصر لها، وذلك بفعل المأكولات البحرية الكثيرة وأنواع الأسماك الشهية.» ثم ينتقل في فزع ليتحدث عن عادة ارتداء اللآلئ بصفتها صورة أسوأ بكثير من صور الفساد. ولعل فزع بلينوس يعززه أركستراتوس الذي يدرج عددا من التوصيات بخصوص المأكولات البحرية في كتابه «حياة الترف».
فمثلا في الشذرة 7 أولسون وسينس 2000، نقرأ:
أينوس يأتي منها بلح البحر الكبير الحجم، ومن أبيدوس يأتي المحار، ومن باريون يأتي السلطعون، ومن ميتيليني يأتي الأسقلوب ... ويمكنك شراء البطلينوس البيلاوري في ميسيني ...
وكان المضيف الذي يرغب في إبهار ضيوفه يقدم على مائدته المحار بالتأكيد. يذكر جوفينال قدوم واردات المحار من ريتشبورو في بريطانيا إلى روما؛ وليس المقصود من ذلك أن نقول إن المحار الصغير الحجم لم يكن متاحا للفقراء الذين كانوا يسكنون بالقرب من البحر. يقدم لنا الشاعر الهزلي الصقلي إبيكارموس من القرن الخامس قبل الميلاد مثالا على ذلك (الشذرة 42): «الحلازين البرية، وهي لا تحظى بقيمة كبيرة ورخيصة الثمن.» يستعرض كارالي (2000) أنواع المحار ويناقش فئات مستهلكيها.
ويفرق بعض النصوص بوضوح بين لحوم القرابين وبين الأسماك المباعة في السوق، ولكن توجد أدلة كثيرة على أن الاثنتين كانتا متاحتين في السوق، وكان يتسنى للكل شراؤهما ما عدا أشد الناس فقرا. وكانت أشكال اللحوم متنوعة مثل أشكال الأسماك؛ وكانت الأنواع والأسعار متنوعة إلى حد كبير. وكان من الممكن شراء أي منهما من أجل المناسبات المميزة، ولكن كل يوم كان بمنزلة مناسبة مميزة بهذا المعنى لدى المواطنين الأغنياء؛ ولذلك فمن المضلل للغاية أن يحسب جالانت الحصة السنوية للسعرات الحرارية التي توفرها الأسماك في النظام الغذائي للمواطن الإغريقي العادي، وأن يستنتج أن قيمة السعرات الحرارية للأسماك كانت ضئيلة بالمقارنة بحصة البقوليات والحبوب. ومن الممكن إجراء عملية حسابية مماثلة للحوم والخضراوات والفواكه، وكل هذه الأطعمة التي لا تحتوي على الحبوب أو البقول هي مكملات للغذاء الأساسي المكون من الحبوب، وكانت تضفي الطعم والعناصر المغذية القيمة على الغذاء الأساسي الخالي من النكهة.
وكما هي الحال مع اللحوم، كان من الممكن حفظ الأسماك في الأوقات السمان للمساعدة في الأوقات العجاف. والأسماك أكثر عرضة للتلف من اللحوم، ولكن كل منهما مناسبة للتجفيف وخاصة عن طريق التمليح. وتمليح قطع لحم الخنزير المقدد - كما رأينا - هو المثال القديم، وكان يكثر في إيطاليا واليونان، وفي الوقت نفسه كانت لحوم الخنزير تستورد كذلك من فرنسا. وربما ينظر إلى طريقة الحفظ هذه بصفتها الاستراتيجية الحكيمة التي يتبعها المزارع الريفي الذي يخزن الطعام لوقت آخر؛ إذ تتيح له تجفيف الفواكه وتخزين الحبوب وحفظ الزيتون في محلول ملحي. وهذا النوع من استراتيجيات التخزين فعال حقا، ولكن للحفظ فوائد أخرى كذلك؛ فهو يعدل الطعم والقوام؛ ولذلك، فيما يتعلق بلحم الخنزير، نجد أن أشكال لحم الخنزير المقدد ولحم الخنزير من سيرانو أو بايوني أو بارما ولحم الخنزير المطهي؛ مختلفة تماما فيما بينها، ومختلفة كذلك عن الكثير من قطع لحم الخنزير الطازج. ويمكن تمييز الطعم بحسب عمليات المعالجة المستعملة؛ ومن ثم، فإن لحم الخنزير المقدد هو قطعا الخيار الأفضل بعد قطعة طازجة من لحم الخنزير. وينطبق الأمر نفسه على الأسماك أيضا. كان تمليح الأسماك من الأنشطة الكبرى في مناطق من بلدان البحر المتوسط قديما، كما يلاحظ مثلا في أماكن في إسبانيا والبحر الأسود وخليج نابولي، وسبق لأهالي قرطاج أيضا أن استعملوا أساليب مماثلة في عصر أقدم (راجع - على سبيل المثال - كورتيس 1991 و2005، ونيلسين وبيكر 2005).
ولم يكن من السهل تربية الأسماك - كما رأينا - على عكس الخنازير. ومن استثناءات هذه القاعدة المزارع السمكية في إيطاليا، التي كثيرا ما يشير إليها المؤلفون المتخصصون في شئون الزراعة، وكثيرا ما كانت هناك المزارع السمكية في عزب الموسرين. وبخصوص أنواع الكائنات البحرية، كان من المتوقع عموما ظهور قطعان الأسماك الزيتية من عام إلى عام، ولكن كان من الوارد في أي وقت ألا تظهر أو تصل بأعداد أكبر من المتوقع. وأنشئت في منطقة البحر الأسود - في القرن الرابع قبل الميلاد وصولا إلى العصر الروماني - منشآت كثيرة لتمليح الأسماك الصغيرة وشرائح الأسماك الكبيرة (تكثر الإشارة إلى «تيماشي»؛ وتعني الشرائح، كما تكثر الإشارة إلى تيماشي اللحم؛ أي شرائح اللحم) أو إنتاج صلصة جاروم. كانت للأسماك المملحة أشكال متنوعة، فضلا عن إمكانية نقلها بسهولة نسبية في جرار أو قوارير ضيقة، وهي الأواني الفخارية التي كانت تستخدم أيضا في حفظ الخمر. ويعلق أركستراتوس في كتابه «حياة الترف» على استحسان الأسماك المملحة. وكما رأينا في الفصل الأول، لم يكن مهتما بالسلع الرخيصة، بل إنه رفض الأسماك الصغيرة بصفتها «نفايات» (الشذرة 11، أولسون وسينس)، وكان لا بد من تقديم أدلة - إن وجدت - على أن الفقراء كان بوسعهم شراء أسماك المياه الضحلة الصغيرة مثل الأنشوفة.
في الشذرة 39 الواردة في أولسون وسينس، ينصح أركستراتوس بتناول:
Bog aan la aqoon