الْوَارِدِ بِهِ، وَلِأَنَّ أَثْنَاءَهَا مَحَلٌّ لِلْفَرْضِ بِخِلَافِ اللِّحْيَةِ عِنْدَهُمَا هَذَا إذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى أَثْنَائِهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِأَنْ كَانَتْ مُنْضَمَّةً فَوَاجِبٌ. قَالَ ﵀ (وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) لِأَنَّهُ ﵇ «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ»، ثُمَّ قِيلَ التَّعَدِّي يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [الطلاق: ١] وَالظُّلْمُ إلَى النُّقْصَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: ٣٣] أَيْ لَمْ تَنْقُصْ، فَالْأَوَّلُ فَرْضٌ وَالثَّانِي سُنَّةٌ وَالثَّالِثُ إكْمَالُ السُّنَّةِ، وَقِيلَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ الثَّانِي سُنَّةٌ وَالثَّالِثُ نَفْلٌ، وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّ الثَّلَاثَ تَقَعُ فَرْضًا كَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ قِيلَ أُرِيدَ بِهِ مُجَرَّدُ الْعَدَدِ فِيهِمَا، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَالنُّقْصَانُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَالنُّقْصَانُ عَنْ الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَقِيلَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ الثَّلَاثَ سُنَّةً حَتَّى لَوْ رَأَى الثَّلَاثَ سُنَّةً، ثُمَّ زَادَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى كَإِرَادَةِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَكَذَا النُّقْصَانُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى.
قَالَ ﵀ (وَنِيَّتُهُ) أَيْ وَنِيَّةُ الْوُضُوءِ وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ يَنْوِي الطَّهَارَةَ وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ فِي التَّيَمُّمِ تَكْفِي فَكَذَا هَاهُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الشَّخْصِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ وَنِيَّةُ الرَّجُلِ الصَّلَاةَ، فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا ثُمَّ هِيَ سُنَّةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ ﵇ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ، وَلَنَا أَنَّهُ ﵇ لَمْ يُعَلِّمْ الْأَعْرَابِيَّ النِّيَّةَ حِينَ عَلَّمَهُ الْوُضُوءَ مَعَ جَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ، وَلِأَنَّهُ شَرْطُ الصَّلَاةِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَسَائِرِ شُرُوطِهَا بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣] أَيْ فَاقْصِدُوا، وَلِأَنَّهَا فِي التَّيَمُّمِ لِصَيْرُورَةِ التُّرَابِ طَهُورًا لِأَنَّهُ مُلَوَّثِ وَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ حِسًّا وَكَذَا شَرْعًا وَحُكْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨] فَمَنْ شَرَطَ النِّيَّةَ لِصَيْرُورَتِهِ طَهُورًا فَقَدْ زَادَ فِيهِ، وَهُوَ نَسْخٌ قَالَ ﵀ (وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً وَأُذُنَيْهِ بِمَائِهِ) أَيْ وَمَسْحُ كُلِّ أُذُنَيْهِ بِمَاءِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّأْسِ وَتَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَضَعُ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَيَمُدُّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِإِصْبَعَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِهَذَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِالْوُجُوبِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَسَاوَى التَّبَعُ الْأَصْلَ كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الضَّعْفِ فِي بَيَانِ الْوُصُولِ فِي شَرْحِ الْأُصُولِ وَجَامِعِ الْأَسْرَارِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ بَلْ الْوَاجِبُ الْقَوِيُّ أَنَّ الْأَمْرَ الثَّابِتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ وَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ ظَاهِرِهِ كَخَبَرِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَخَبَرِ الْفَاتِحَةِ.
أَمَّا إذَا وُجِدَ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ وَهَاهُنَا عَارَضَ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ تَعْلِيمِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي حُكِيَ فِيهَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِأَنَّ التَّخْلِيلَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا فَحُمِلَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ السُّنَّةِ الَّتِي دُونَ الْوُجُوبِ عَمَلًا بِالدَّلِيلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهَكَذَا جَمِيعُ الدَّلَائِلِ الَّتِي تَدُلُّ ظَوَاهِرُهَا عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ مُعَارَضٌ بِمَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِهِ إذَا تَأَمَّلْت فِيهَا وَقَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ فِي قَوْلِهِ ﵊ «خَلِّلُوا» الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَظِيفَةَ الرِّجْلِ الْغَسْلُ لَا الْمَسْحُ فَكَانَ حُجَّةً عَلَى الرَّوَافِضِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ») قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْإِحْيَاءِ: إنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ النَّقْصُ مِنْ الثَّلَاثِ ظُلْمًا كَانَ التَّثْلِيثُ وَاجِبًا لَا سُنَّةً قُلْت: كَوْنُهُ ظُلْمًا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةً لَا بِمُجَرَّدِ النَّقْضِ انْتَهَى يَحْيَى.
(قَوْلُهُ وَالثَّالِثُ نَفْلٌ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ إلَى آخِرِهِ) رَدَّ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَالْحَدِيثُ فِي الْمَصَابِيحِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِهَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ ثُمَّ زَادَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى) كَإِرَادَةِ الْوُضُوءِ أَوْ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ انْتَهَى كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا النُّقْصَانُ لِحَاجَةٍ أُخْرَى) كَإِعْوَازِ الْمَاءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ) فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ مَثَلًا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الصَّلَاةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ تُفِيدُ أَنَّ السُّنَّةَ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ انْتَهَى يَحْيَى وَوَقْتُهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ انْتَهَى جَوْهَرَةٌ قَالَ الْقُدُورِيُّ ﵀ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ ﵀ فِي شَرْحِهِ أَيْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ إيقَاعَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ لِلطَّهَارَةِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ: إنَّ الْمَاءَ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالنِّسْيَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّيَّةَ سُنَّةٌ لِأَنَّ بِهَا يَصِيرُ الْفِعْلُ قُرْبَةً بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً) وَتَرْكُهُ دَائِمًا إثْمٌ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّثْلِيثُ فِي الْغَسْلِ سُنَّةٌ وَالتَّثْلِيثُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بِالْمِيَاهِ الْمُخْتَلِفَةِ بِدْعَةٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ سُنَّةٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِإِصْبَعَيْهِ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ ثُمَّ يُدْخِلُ السَّبَّابَةَ فِي أُذُنِهِ وَيُدِيرُ إبْهَامَيْهِ مِنْ وَرَائِهِمَا انْتَهَى قَالَ فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ وَإِدْخَالُ الْأَصَابِعِ فِي صِمَاخِ الْأُذُنَيْنِ أَدَبٌ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ هُوَ الْمَشْهُورُ وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ انْتَهَى
1 / 5