17

Tabsira

التبصرة

Daabacaha

دار الكتب العلمية

Daabacaad

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Goobta Daabacaadda

بيروت - لبنان

إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ، قَالَتْ هَذَا وَلَدِي، مَرَّ بِنَا الْبَارِحَةَ رَجُلٌ لا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ، فَلَمْ يَزَلِ ابْنِي يَبْكِي وَيَضْطَرِبُ حَتَّى مَاتَ.
قَالَ مَنْصُورٌ: هكذا والله صفة الخائفين يا بن عَمَّارٍ.
يَا صَاحِبُ الْخَطَايَا أَيْنَ الدُّمُوعُ الْجَارِيَةُ، يَا أَسِيرَ الْمَعَاصِي ابْكِ عَلَى الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ، يَا مُبَارِزًا بِالْقَبَائِحِ أَتَصْبِرُ عَلَى الْهَاوِيَةِ؟! يَا نَاسِيًا ذُنُوبَهُ وَالصُّحُفُ لِلْمُنْسَى حَاوِيَةٌ، أَسَفًا لَكَ إِذَا جَاءَكَ الْمَوْتُ وَمَا أَنَبْتَ وَاحَسْرَةً لَكَ إِذَا دُعِيتَ إِلَى التَّوْبَةِ فَمَا أَجَبْتَ كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا نُودِيَ بِالرَّحِيلِ وَمَا تَأَهَّبْتَ، أَلَسْتَ الَّذِي بَارَزْتَ بِالْكَبَائِرِ وَمَا رَاقَبْتَ:
(قَدْ مَضَى فِي اللَّهْوِ عُمْرِي ... وَتَنَاهَى فِيهِ أَمْرِي)
(شَمَّرَ الأَكْيَاسُ وَأَنَا ... وَاقِفٌ قَدْ شِيبَ أَمْرِي)
(بَانَ رِبْحُ النَّاسِ دُونِي ... وَلِحِينِي بَانَ خُسْرِي)
(لَيْتَنِي أَقْبَلُ وَعْظِي ... لَيْتَنِي أَسْمَعُ زَجْرِي)
(كُلَّ يَوْمٍ أَنَا رَهْنٌ ... بَيْنَ آثَامِي وَوِزْرِي)
(لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لِي ... هِمَّةً فِي فَكِّ أَسْرِي)
(أَوْ أُرَى فِي ثَوْبِ صِدْقٍ ... قَبْلَ أَنْ أَنْزِلَ قَبْرِي)
(وَيْحَ قَلْبِي مِنْ تَنَاسِيهِ ... مَقَامِي يَوْمَ حَشْرِي)
(وَاشْتِغَالِي عَنْ خَطَايَا ... أَثْقَلَتْ وَاللَّهِ ظَهْرِي)
كَانَ لِبَعْضِ الْعُصَاةِ أُمٌّ تَعِظُهُ وَلا يَنْثَنِي؛ فَمَرَّ يَوْمًا بِالْمَقَابِرِ فَرَأَى عَظْمًا نَخِرًا، فَمَسَّهُ فَانْفَتَّ فِي يَدِهِ [فَأَنِفَتْ نَفْسُهُ] فَقَالَ لِنَفْسِهِ: أَنَا غَدًا هَكَذَا! فَعَزَمَ عَلَى التَّوْبَةِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: يَا إِلَهِي اقْبَلْنِي وَارْحَمْنِي. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أُمِّهِ حَزِينًا فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ مَا يُصْنَعُ بِالآبِقِ إِذَا أَخَذَهُ سَيِّدُهُ؟ فَقَالَتْ. يَغُلُّ قَدَمَيْهِ وَيَدَيْهِ وَيُخَشِّنُ مَلْبَسَهُ وَمَطْعَمَهُ. قَالَ: يَا أُمَّاهُ أُرِيدُ جُبَّةً مِنْ صُوفٍ وَأَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ وَافْعَلِي بِي مَا يُفْعَلُ بِالْعَبْدِ الآبِقِ مِنْ مَوْلاهُ، لَعَلَّ مَوْلايَ يَرَى ذُلِّي فَيَرْحَمُنِي. فَفَعَلَتْ بِهِ مَا طلب.

1 / 37