ولد سنة (1247) ونشأ في حجر والده المرشد الجليل، وتلقى عنه جملة صالحة من فنون شتى، واستجاز له والده من مسند الشام الشيخ عبد الرحمن الكزبري، فأجاز له إجازة عامة. وتخرج في العلوم العقلية والنقلية على العلامة الكبير الشيخ محمد الطنطاوي. ولما توفي والده سنة (1279) قام مقامه في الإرشاد وقراءة الدروس العامة والخاصة في جامع المرادية في محلة السويقة. ووجه عليه مرتب والده عن تكية الجامع المذكور. وفي عام (1280) تزوج بنت علامة عصره الشيخ خالد النقشبندي، فحظي بذلك، وسافر صحبتها إلى الحج والآستانة، ثم اتصل بالأمير السيد عبد القادر الحسني الجزائري نزيل دمشق، وصحبه، وسمع منه «صحيح البخاري» كله في دار الحديث، وأجاز له إجازة عامة، وجعله الأمير من خاصته، ورتب له مرتبا لائقا بقدره، وأقامه وصيا على أولاده القاصرين فأحسن كفالتهم. وكان الأمير أوصى له بعشرة آلاف قرش فلم يقبلها المترجم بعد وفاة الأمير، وقال أقوم بالوصاية حسبة قياما بحقوق الصحبة والفواضل السالفة منه. وحج مرارا. ولما حج صحبة والده عام (1262) استجاز من العلامة الشيخ عثمان الدمياطي. وسافر صحبة شيخه العلامة الطنطاوي المتقدم سنة (1278) إلى مصر، واستجاز من فضلاء أزهرها، كالشيخ إبراهيم السقا، والشيخ محمد الخضري. وفي آخر حجاته سنة (1310) أصيب بأحد أنجاله النجباء، وهو الشاب الشيخ بشير، لم يبلغ العشرين عاما، وصبر على فقده صبرا جميلا. وكان من عادة شيخنا المترجم الملازمة على الخلوة في رمضان وعشر ذي الحجة. وكان مفردا في اللطف والبشاشة ومؤانسة الجليس، موصوفا بوفور العقل والدهاء، قوي الفراسة، ثابت الجأش، كثير الحلم والتؤدة، لا تأخذه حدة. وقورا للغاية، لا يمل جليسه حديثه. زيد بسطة في العلم والجسم، محببا لدى الخاصة والعامة. وكان يجتمع عنده جمعية وافرة يوم الثلاثاء والجمعة في جامع المرادية لإسماع الحديث، فيجلس لديه عدد عديد من عيون الطلبة وغيرهم على وقار وهيبة إلى انتهاء الدرس. وكان يوم الثلاثاء والجمعة عنده في الجامع المذكور من المجامع الغريبة كأنه موسم يوفد إليه من غالب أنحاء الشام حبا في المترجم لما حوى من مكارم الأخلاق، وهو أحد مشايخي الذين صحبتهم وانتفعت بهم، قرأت عنده كتبا عديدة من فنون متنوعة ولازمته ملازمة تامة ليلا ونهارا من سنة (1303) إلى عام (1309) وسمعت منه حصة وافرة من «الموطأ» و«البخاري» و«سنن أبي داود» و«الترمذي» وأجاز لي إجازة عامة. وكان يودني المودة الأكيدة ويتفقدني إذا أبطأت عن زيارته لعارض، ويقبل إلي في مجلسه الإقبال الزائد، ويخصني بالمحاورة والمحاضرة. وأصيب قبل وفاته بعام ونصف بغشاوة على بصره سرت للحدقتين وفقد الإبصار رأسا، ثم تفقد أطباء الشام فقالوا: يمكن المعالجة ويزول هذا العارض، فتوقف خشية عدم الفائدة، ثم أشير عليه بالذهاب إلى بيروت والمعالجة ثمة، فقصدها، وكان ينتابها كثيرا ويستحسن هواءها، فمكث بها نحوا من شهرين وعالجه أحد مهرة الأطباء فعوفي بحمد الله مما ألم به وارتد بصيرا فسر ذلك الأهل والأصحاب، بيد أنه لم يلبث نحوا من خمسة أشهر بعد ذلك حتى فاجأه الحمام 1 وذلك صبيحة الأربعاء خامس جمادى الأولى سنة (1316) توفي على إثر نوبة في صدره اشتدت عليه من الليل إلى الصباح وفيه أسلم روحه الطاهرة، فكان لمنعاه رنة أسف وصلي عليه في الجامع الأموي قبل العصر، ثم حمل إلى تربة الشيخ خالد-قدس سره-في الصالحية ودفن جوار والده، وكان الجمع في مشهده وافرا، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
***
Bogga 47