ما السبب الذي قرر هذه الخطوة؟ هذا هو السؤال.
ما الذي يجعل القومي الاجتماعي وليا لحزبه مقاتلا من أجله؟
أمليون ليرا مخبأة في مصرف، أم تحرق لتحقيق غاية يناضل فيما هو يناضل، من أجلها، العوز وصعوبة أسباب العيش؟
في تاريخ الأحزماب حركات نجحت حين وجدت من يمولها، وحركات نجحت وهي ضامرة الخصر؛ المال يختصر الطريق، والمال إذ يشيع الرخاوة يقعد بالسائر عن السير في الطريق. الثورة السورية 1925-1927 تلاشت حين تدفقت عليها أموال المغتربين، ودولة «إسرائيل» ما كانت لتنشأ، لو أن أحد المسئولين في دولة عربية وقع شيكا بمئة ألف جنيه ثمن مخيم عتاد حربية، جاء ثلاثة ضباط بريطانيون إلى «سان جورج» ليبيعوه، هو نفس المخيم الذي مشى إليه المقدم غسان جديد على رأس قوة من مائة وعشرين مقاتل، عبر المستعمرات اليهودية، ونال بسبب هذه البطولة أرفع وسام يمنحه الجيش السوري، ولا يتزين بهذا الوسام إلا اثنان أحدهما غسان جديد.
المال يقوي والمال يضعف. «خرجت بالصمت عن لا ونعم».
عقيدة سعادة تؤمن بالمادة وبالروح، كلاهما واحد، هذه هي على ما أفهم، المدرحية.
والمال - عدم وجوده - هو الذي هدم بالحزب منذ نشأته. سعادة كان يركب الترامواي بصحبة من كان يدفع عنه. من الأرجنتين كان يكتب لتلميذ في الولايات المتحدة اسمه غسان تويني، يستعجل تبرع الرفقاء بخمسمائة دولار، وبعد ثلاث وعشرين سنة وتلامذة سعادة، وفيهم اليوم الثري والموسر، لا يزال المال - عدم وجوده - يؤخر في سير الحركة، أو يدفع بها إلى الأمام.
ولكن الاشتراكات والتبرعات - خصوصا في الأزمات - تستمر سيلا شحيحا أو متدفقا، والخدمات المجانية التي يتطوع لها الرفقاء خلال السنة لا تشتريها الملايين، كثيرا ما تفاخر أن الحزب فقير. بعضنا لا يجد في الفقر مدعاة المفاخرة.
أما الدعاوة فالضعف فيها - أو القوة - مردها إلى أمرين: هذه الحدة والقساوة، وكدت أقول: الشراسة في كلام بعضنا أو كتاباتهم كثيرا ما أبعدت عنا الناس. أذكر في سنة 1950 كنت في جريدة «النهار» إذ وثب إلي - خلت أنه واثب إلى عنقي - فتى من خلف جهاز الراديو، وراح يقصفني بكلمات «الزعيم ... الزعيم ... سوريا ... أمة تامة ... الخصوصيات المرتكزات ... المعطيات ... أن فيكم قوة ...» واستمر هذا القصف أكثر من ساعة، لا أذكر من تلك المباحثة إلا أن نظارتين كانتا ترتجفان أمام عيني، وساعدين يدوران في الجو كدولاب الناعورة، وأخيرا سألت الفتى اسم حضرتك؟ أجاب: «أنا القومي الاجتماعي جبران حايك»، من المؤكد أن لهجة جبران العدوانية أبعدتني عن الحزب.
ما سبب هذا؟ وهل هو ضعف أم قوة؟
Bog aan la aqoon