Taammulat
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Noocyada
نم في قبرك آمنا مطمئنا فإنك قد قدمت بالواجب عليك في خدمة وطنك وخدمة العلم، نم سعيدا فإن وراءك من أهل بيئتك ومن اهتدوا بهديك من يسيرون على سننك الاجتماعية وينفذون وصيتك الأخيرة؛ تلك الوصية التي أوصيت بها العلماء والفضلاء والوجهاء من قومك، تلك الوصية التي أوصيت بها على منبر الجامعة يوم تتويج كتبك فبلغت بها قلوب الناس جميعا إذ قلت لهم: «علموا الأمة، علموا الأمة، علموا الأمة» إنهم قد سمعوا ووعوا، وهم يعملون كما تقول، فلئن فاتك أيها النابغة العمر الطويل، فما فاتك المجد الأثيل، ولئن قصرت حياتك عن إدراك ثمرة جهادك فإن أهل بيئتك سيتممون عملك، فنم في سلام الله ورحمته، عزى الله قومك على فقدك خير العزاء.
وداع الوزارة1
قد يكون اليوم هو آخر عهد الوزارة السعيدية
2
بالحكم، إن لم يكن هذا هو الحق في الواقع، فهو على الأقل الحق في أمانينا، ليس بأمانينا أن تسقط الوزارة، ولكن ذلك لا يمنع من أن البلاد قد شبعت منها ومن أعمالها وتلقت خبر سقوطها بالارتياح سواء في ذلك خصومها وأنصارها ومن هم في شأنها على الحياد التام، تستغفر المروءة أن يكون قولنا هذا تشفيا في أشخاص الوزراء، فإنا نعد من بينهم كثيرا من أصحابنا ومحل جاذبيتنا واحترامنا، نستغفر الرفعة للوزراء أن يكون سقوطهم مصيبة عليهم يألمون لها من جهة ما فيها من قطع المرتبات الكبيرة، كلا! إن وزراءنا يعلمون أن المناصب ضرائب يدفعها الأكفاء وتكاليف يقوم بأعبائها الأصلحون، وأنها تقليد إلى زمن محدود يستعمله الوزير في تنفيذ المبادئ التي يراها صالحة لرقي البلاد.
وما هي تخليد يصح اعتبارها موردا من موارد الرزق، فلا يهم الوزير الشريف من أمر سقوطه إلا الحسرة على عدم إتمام ما يكون قد بدأ فيه من المشروعات النافعة للأمة لا لشخصه، وما يخشى أن يفوت الناس من المنافع إذا لم يخلفه من يستمر على تحقيق مبادئه، وزراؤنا يعلمون ذلك كله على الرغم مما شاع عن أحدهم أنه كان يقول حين تكلم معه زملاؤه في أمر الاستقالة: أنا ثابت في مركزي ومحتفظ «بحقوقي» فلا أستقيل مع المستقيلين، كأن الوزارة حق له لا واجب عليه، وكأنما هو مستعد لأن يشتغل مع كل رئيس بصرف النظر عن اختلاف المشارب أو تباين المبادئ، ذلك لا يهم، لكن المهم هو أن يشتغل بأية طريقة والسلام.
على الرغم من ذلك فإن الواجب علينا في حق وزرائنا الأماثل أن نعتبرهم غير مستائين من سقوط الوزارة سقوطا كليا أو بعضيا، فلا يكون هناك أوفى معنى لأن يحمل ما نكتبه في هذا الشأن على الاشتفاء أو الشماتة، فإن كليهما لا يكون إلا من الأعداء ولا نحسب منهم إلا معارف وأصدقاء فما يكون قولنا إلا ورادا على الوزارة باعتبار أن لها شخصية متميزة عن شخصية أفراد الوزراء، ولها خطة مرسومة طالما أفضى بعض الوزراء في مجالسهم بأنها خطة غير مفيدة لمصلحة البلاد، ولكنهم مع ذلك لم يستقيلوا! لم يستقيلوا؛ لأنهم على ما يقال لا يعرفون في البلاد أكفأ منهم أو بعبارة أقل ادعاء، لا يظنون أن السلطات ترضى باستيزار الأشخاص الذين هم أكفأ منهم، فهم ببقائهم يخدمون البلاد، يخدمونها خدمة سلبية بقطع الطريق على من هم أقل منهم كفاءة، ومهما تكن الخدمة السلبية عديمة القيمة، فإنها مع ذلك - على ما يقال - كانت هي وحدها التي تربط النظار بمراكزهم دون غيرها من بقية الاعتبارات الشخصية، ومع ذلك فإن الأمة لم يبن عليها أنها أقامت وزنا لهذه الخدمة ولا اعترفت بفضل الوزارة، فهي أسعد ما تكون أن ترى هذه الوزارة تسقط من أساسها وتخلفها غيرها، كما يكون من حال المرء يرجو من صاحبه الصلاح، والإصلاح، ثم يرجو ثم يؤمل ثم يتمنى ثم يقنط بعد ذلك ويأخذه الملل، كذلك ملت الأمة هذه الوزارة.
ألا يكون الحال أن الأمة تحل كل وزارة من الوزارات تفرح لسقوطها من غير أن تتدبر في أمر من يليها، كأنما هي تفضل التغيير لا لنفع فيه ولكن حبا في التغيير.
قد يكون من ذلك شيء، ولكن الواقع هو أن الوزارة الحالية كانت سيئة الطالع، سيئة الطالع إلى غاية النحس، نصبت في ظروف صعبة محزنة، فكانت بذلك وزارة ضرورة أو وزارة وقتية، ولكن استعدادها لاعتناق كل المبادئ والسير في كل الخطط والتفاني في الاتفاق مع كل قوى لمصلحة البلاد وتسليم أمرها وأعمالها لكل من يخدم البلاد بصرف النظر عن الفكرة في أي برنامج يجب اتباعه، والتصريح بأنها تقصر همها على اكتشاف وسائل الإصلاح: كل ذلك أطال بقاءها وثبت مركزها إلى هذا اليوم، ولو كان عمل الوزارة قاصرا على ذلك لخفت على الأمة ريحها ولما ثقل عليها وجودها، وألمت استمرارها وملت عشرتها واستقبلت أخبار سقوطها بالدعوات الصالحات لولاة الأمور، ولكن الأمة والسلطتين حين التقوا جميعا إلى تاريخ أربع السنين الماضيات، رأوا أن ما يجري في البلاد هو غير ما يرضي الجميع، فإن السلطة لم تأمر بالمحسوبية، ولم تأمر بانتشار الرشوة في الإدارات من أقصى البلاد إلى أقصاها، حاشا أولي الأمر أن لا يجدوا كل الوجد على إفساد اخلاق الأمة إفسادا يتعذر عليها إصلاحه إلا في زمان بعيد، ومهما يكن من بعد أشخاص وزرائنا المحترمين على مقارفة هذه الآثام أو الرضى بها، فإن الوزارة دون غيرها هي المسئولة عن كل فساد ويقع في مدتها من الموظفين التابعين لها ومن أعوانها وأنصارها، ولو افترضت براءتها إلى حد الجهل المطبق بما يقع من الحوادث في البلاد، فإن الرأي العام والسلطة كليهما ليست محكمة من المحاكم النظامية التي تصوغ الآثام صيغا محدودة، وتطلب على كل منها دليلا قضائيا خارجا عما جاء القاضي بطريق علمه الذاتي، كلا إنهما ليسا كذلك، ولكن كليهما يحكم على الوزارة بنتائج الرقي أو الانحطاط الذي وقع في البلادة مدة ولايتها الأحكام .
فإذا خاب في الوزارة أمل السلطة العليا التي تنصبها، فلم تستطع تنفيذ ميولها الشريفة ومقاصدها الوطنية، ولم تستطع إعلاء شأن الحكومة وتحرير مشروعاتها القانونية في الجمعية التشريعية انعدمت منفعة الوزارة وكان سقوطها واجبا.
Bog aan la aqoon