يرى ماركوس أنه لا وجه للخوف من الموت على كل الأحوال. لقد ولدت أيها الإنسان وكبرت وخبرت كل ما تملكه الحياة من طرافة. «... فارحل الآن، فإذا كان لحياة أخرى فلن يخلو حتى هذا الشاطئ من الآلهة، وإذا لم يكن هناك أي حياة أو حس فلن تعود تعاني من الآلام واللذات، ولن تعود مستعبدا لوعاء جسدي هو سيد بالغ الدناءة بقدر ما إن عبده بالغ الرفعة؛ فهذا عقل وروح، وذاك مجرد تراب ودم» (3-3)، «من يخشى الموت إنما يخشى فقدان الحس أو يخشى حسا من صنف آخر. فإذا كنت سوف تفقد الحس فلن تشعر أيضا بأي أذى. أما إذا كنت ستكتسب شعورا مختلفا فسوف تكون كائنا آخر ولن تتوقف الحياة» (8-58).
الموت وظيفة طبيعية لا عار فيها، وفعل طبيعي ينبغي أن يؤديه المرء بإتقان كأي فعل آخر! «ما دمت تؤدي واجبك فلا تعبأ بما إذا كنت باردا أو دافئا، نعسان أو يقظا، يمدحك الناس أو يذمونك، وبما إذا كنت تحتضر أو تفعل شيئا آخر! فحتى هذا ... فعل الاحتضار ... هو أحد أفعال الحياة. وبحسبك هنا أيضا أن تتقن ما تفعله جهد ما تستطيع» (6-2). «الموت، شأنه شأن الميلاد، سر من أسرار الطبيعة: تضام، ثم انحلال، للعناصر نفسها، لا عار في الأمر بكل تأكيد؛ فلا شيء فيه مناقض لطبيعة الكائن العاقل أو مناقض لمبدأ تكوينه» (4-5).
وما بال الإنسان يخشى الموت وكأنه لم يجربه من قبل ويطلع على نماذج منه في حياته السالفة؛ الموت تبدل مراحل، ولقد تبدلت عليك من قبل مراحل وأطوار فهل كان في ذلك ما يدعو إلى الخوف؟! «انتهاء عمل، توقف نشاط أو حكم ... هذا نوع من الموت، ولكن لا ضير فيه. تحول الآن إلى أطوار حياتك؛ الطفولة مثلا، ثم المراهقة، الشباب، الشيخوخة. هنا أيضا كل تغير هو موت (المرحلة): هل ثمة من شيء مخيف؟ وتحول الآن إلى حياتك مع جدك، ثم مع أمك، ثم مع أبيك. وحيثما وجدت أمثلة أخرى عديدة للتحلل أو التغير أو الانتهاء فاسأل نفسك: «هل كان ثمة أي شيء يدعو إلى الخوف؟» بالمثل، فلا شيء مخيف في انتهاء، وتوقف، وتغير حياتك بأسرها» (9-21).
وللموت مباهجه أيضا! ألم يقل المعري في سقط زنده:
ضجعة الموت رقدة يستريح ال
جسم فيها والعيش مثل السهاد
وفي لزومياته:
ما أوسع الموت يستريح به ال
جسم المعنى ويخفت اللجب
ويقول ماركوس: «... فسوف يهون عندك لقاء الموت إذا نظرت إلى الأمور التي سوف يعفيك منها والشخصيات التي لن تعود تنغص روحك» (9-3). «الموت انعتاق من أي استجابة للحواس، ومن خيوط دمى الرغبة، ومن العقل التحليلي، ومن خدمة اللحم» (6-28). «انظر أي عناء نحتمله في هذه المسافة (بين الميلاد والموت)، وأية صحبة تكتنفنا فيها ومع أي صنف من الناس، وفي أي جسد واهن نقطعها بجهد جهيد» (4-50). ألا يكفي أن الموت يخرجك من ضجر الرتابة والتكرار: «... كل شيء هنا وهناك هو نفس الشيء وبنفس الأسباب، فإلى متى؟» (6-46). «عليك إذن أن تقضي هذه الكسرة الضئيلة من الزمان في تناغم مع الطبيعة، وأن تغادرها راضيا، مثلما تسقط زيتونة حين تبلغ النضج، مباركة الأرض التي حملتها، وشاكرة للشجرة التي منحتها النماء» (4-48). •••
Bog aan la aqoon