22
مشكلة الشر:
جابهت مشكلة الشر الرواقيين جميعا، من حيث وجود توتر ظاهر بين العناية الإلهية، التي أخذوا بها وأكدوها، وبين وجود الشر في العالم وجودا واقعيا ملموسا لا سبيل إلى إغفاله. وقد اختلفت معالجاتهم لهذه المشكلة، فذهب البعض إلى أن الشر في العالم مترتب على هبة الحرية الإنسانية. وأخذ البعض بالحل الهيرقليطي، اجتماع الأضداد، ومفاده أن الخير ضد الشر، ولا يوجد الضد من غير ضده، فوجود الخير إذن يستدعي وجود الشر، والشر إنما يخدم الخير، ومن الخطأ أن نريد أحدهما دون الآخر. وذهب البعض إلى أنه لا شر هناك إذا نظرنا إلى الأمر نظرة كلية كونية؛ فلكل شيء في الكون مكانه ووظيفته وغايته وطبيعته، وما يسميه الناس شرا إنما هو شر من حيث الجزء لا من حيث الكل، بينما هو يتجه في الحقيقة إلى كمال المجموع، ووجود الشر في الجزئيات شرط لخير الكل.
الأخلاق الرواقية
الرواقية مذهب أخلاقي عملي، والفلسفة عند الرواقيين هي ممارسة الفضيلة، وما البحث النظري وأفرعه العديدة سوى روافد لهذا المذهب الأخلاقي، أو وسائل لهذه الغاية العملية. وقد يختلف الرواقيون في جانب أو جوانب من المنطق أو الطبيعيات، أما المذهب الأخلاقي فواحد لا خلاف عليه إلا فيما ندر.
وإذا كانت السعادة هي مطمح البشر جميعا فإن الرواقيين يساوون بين السعادة وممارسة الفضيلة، ويعرفون السعادة، والفضيلة، بأنها الحياة وفاقا للطبيعة؛ أي وفاقا للعقل. ولما كان العقل عندهم منبثا في العالم ومتغلغلا في الوجود كله وشاملا لعقل الإنسان وعقل الكون، فإن ممارسة الفضيلة تعني الحياة وفقا للقانون الكلي الذي يحكم العالم، والحياة وفقا للعقل تعني الحياة وفقا للطبيعة الخاصة والطبيعة العامة في آن معا. والحكيم هو «مواطن العالم»، يقبل طوعا كل ما يغزله له قدره ومصيره، حتى ما يبدو للنظرة الضيقة مصابا أو نكبة؛ لأن نكبته الفردية أو مصابه الجزئي إنما هو شيء منسلك في النظام الكلي والقضاء الإلهي، وفيه خير العالم وصالحه حين ينظر إليه النظرة الشاملة الكلية، وكل ما هو خير للكل فهو خير لأجزائه في نهاية التحليل، مهما بدت الأمور غير ذلك لكل أناني يريد أن يعيش في خلاف مع مجموع الأشياء كأنه الورم في جسم العالم أو كأنه الغريب في المدينة الكبرى، ويريد أن يتمرد على قدره فلا يسوقه تمرده إلا حيث أرادت الأقدار.
وإذا كانت السعادة هي مطمح الناس جميعا، فإن من يعلق سعادته على الظروف الخارجية سيعيش مرتهنا لتقلبات الزمن، تتقاذفه الأحداث وتتناهشه المخاوف والوساوس، فيكون فريسة للشرور الخارجية كالفقر والمرض والإهانة والأذى، وللشرور الداخلية كالجزع والفزع والرعب والحزن والشك والندم. أما الرواقية فتعد مريدها بسعادة دائمة وهناء مقيم؛ ذلك أن سعادة الإنسان، في نظر الرواقية، لا تخضع للظروف الخارجية بل لإرادة الإنسان الداخلية وقراره الشخصي؛ فالأشياء الخارجية لا تقتحم علينا وجودنا الباطن ولا تؤثر بذاتها في شعورنا الداخلي، وإنما المؤثر الحقيقي هو استعدادنا النفسي الذي يجعلنا نقيم وزنا لهذه الظروف ونحكم عليها أحكاما قيمية؛ أي نصفها بالحسن أو القبح، بالخير أو بالشر. أمر السعادة إذن منوط بأحكامنا نحن وإرادتنا وقرارنا. وبوسعنا دائما أن نتوقف عن هذه الأحكام أو نمحوها من خاطرنا محوا وننعم في الحال بالهناء و«الطمأنينة»
ataraxia .
وحتى «الانفعالات»
emotions
Bog aan la aqoon