Waxaan noqday ilaah kadib sagaalaadka
وصرت إلها بعد التاسعة
Noocyada
كنت أحلم بسيدة وابنتها، كلتاهما آية في الجمال، كنا في منزل، لا أعرف أي منزل، في البداية لم أتعرف على ملامح السيدة ولا ابنتها، كنا نتحدث، وكانت هناك طاقة غريبة تحيط بغرفة الجلوس الإنجليزية الوثيرة، المكسوة حوائطها بالمكتبات من الأرض للسقف، لا يقطعها سوى باب الغرفة وشباك يقابله؛ مكتبة مليئة بعجائب الكتب، لا أذكر منها شيئا، لكني أذكر دهشتي كلما لمحت عنوانا منها.
كانت السيدة برغم أناقتها وعذوبتها، تشعرني بأنها عرافة غجرية تقرأ الطالع، وبرغم هذا الشعور لم أقاوم ابتسامتها وهي تقدم لي فنجان الشاي، ناولتني إياه وعيناها مثبتتان في عيني تمسمرني في مقعدي الجلدي، كنت أراني وأندهش مني في الحلم، فقد كنت مسلوب الإرادة تماما، مددت يدي لتناول فنجان الشاي فلامست أصابعي طبقا صينيا مزججا باردا تشع من مركزه حرارة من قاع الفنجان، ولامست شيئا آخر ربما أصابعها، فسرت رعشة في جسدي تشبه تنميلة الكهرباء الخفيفة، ولم يطرف جفني، شعرت بأن هناك قوة شريرة تسيطر علي، وكدت أجزم بأن الشاي مسموم.
ظهرت ابنتها من خلفها مستندة على باب الغرفة، فزعت من تقارب الشبه وتقارب العمر أيضا، توقف الزمن على تلك الصورة، كل شيء توقف حتى الأنفاس، والفتاة تتحرك وحدها في الصورة بجسدها الذهبي الممشوق والمسدل عليه ما يشبه الدثار أو الشال من الكتان الأبيض الشفاف، لم تكن ترتدي أي شيء غيره، مفتوح من الجانبين، فكلما تحركت ظهرت ساقها بردفها، كانت تتمايل وتنظر لي بإغواء لم أر مثله من قبل ؛ فكانت عيناها تمد سلاسل الفولاذ لتحيطني وتطرحني أرضا، كنت أحدق بها وما زالت يداي ممتدة ممسكة بفنجان الشاي وملامسة لأصابع أمها، وأمها محدقة في نظرات الجوع بعيني بمنتهى الرضا.
لماذا تحاولان إغوائي؟ فأنا لا أملك شيئا يذكر، صعقت؛ فقد كانت أفكاري تتردد في الغرفة بدوي مذهل، أشعر بوجهي يحترق من الخجل، خفضت نظري بعيدا عن تلك الحورية، لتتلقفني نظرات أمها التي زادت إشراقا وتوهجا قائلة دون أن ينفرج ثغرها: «بل تملك.» وضحكت الفتاة بتقطع مبتذل. أربكني صوت المرأة، بل قطعني لنصفين يملؤهما الارتباك، لتتلاعب بهما تلك الضحكات المتقطعة، وددت لو يحدث أي شيء يلملم ما تبعثر مني، وانتفضت على انهيار جدران الغرفة وظهور كائنين يشبهان المسخ الشيطاني من وسط أدخنة ملونة كالتي نستعملها في المؤثرات، الغريب أن شكلهما كان كرتونيا مضحكا إلا أنه أصابني بفزع رهيب، انتفضت من مقعدي برجفة، فعلوت عن المقعد وسقطت مرة أخرى على سريري فاتحا عيني كفم ذئب يعوي.
وجدتني أتنفس سريعا فقمت من السرير بعصبية وغضب وخوف، هرعت للثلاجة، وفتحتها بعصبية، لا أعرف ماذا أوقعت وأنا أسحب زجاجة الماء، لم أفق من فزعي حتى أفرغت الزجاجة بالكامل بجوفي.
الست توحة
وقفت مستندا لباب المطبخ موجها نظري للأرض حتى تبينت ملامح البلاط الموزاييك المزركش، وأنا أتصبب عرقا، وكلما ركزت أكثر أرى تلك المخلوقات الكرتونية المضحكة، وابتسمت عندما تذكرت كم الفزع، عدت لغرفة نومي، الساعة التاسعة والنصف وقد ظننت أنني نمت لعدة أيام.
عدت مرة أخرى للمطبخ وأشعلت الموقد، وضعت بعض الماء ليغلي بينما جررت كوبا زجاجيا ووضعت فيه ملعقة ممسوحة من الشاي وثلاث ملاعق من السكر البني، وأخذت أقلب في الأرقام بهاتفي المحمول بحثا عن رقم الحاج إبراهيم عبد الرحيم، واتصلت به. - أيوه، سلام عليكم يا حاج إبراهيم. - أهلا يا كبير. - الله يخليك يا حاج، طمني أخبارنا إيه؟ التصوير النهارده. - عيب يا كبير، هو أنا عمري قصرت رقبتك في أيها شغل قبل كده؟ - قوللي طيب ابعتلك العربية إمتى؟ - هاقولك يا كبير، اديني ساعتين كمان وابعتها، فاضل بس مدرعتين ودبابة اترشوا ولسه ماعضموش. - ساعتين وهاكلمك يا حاج، سلام عليكم.
صببت الشاي وخرجت من المطبخ لغرفة النوم مرة أخرى، لا أعرف متى فتحت الشباك لكن الضوء ضايقني، شعرت بوخزة في عيني من الضوء، وضعت كوب الشاي على طاولة صغيرة لأقفل الشباك، فوجدت جارتي «توتي» بملابسها الثورية المتفجرة، والمتحررة أيضا، فلملمت الشيش قليلا كي أراقبها، وكعادتها لمحتني، وابتسمت مرسلة نظرة دلال مع كل حركة، أعرف أنها تراني، ولم ألملم الشيش كي لا تراني؛ بل لأراقبها دون أن ترى عيني وأنا أتفحصها، كانت تغير ل «هاني» ملابسه، وهاني هو ابنها الأوسط، كما لديها ثلاثة صبية، لديها ثلاثة أسماء، وحين أراقب أبناءها أشعر أن كل اسم هو الأم الشرعية لهذا الصبي؛ فعبد العزيز هو ابن الحاجة فتحية ومعروف في الشارع ب «زيزو»، وهو مراهق مشاغب دائم العراك، أراه طفلا كبيرا «مدهول» لكنه طيب القلب، ومصطفى هو ابن الست «توحة» وما أحبه في هذا المصطفى أنه «عايق» بغض النظر عن ألوان ثيابه والتركيبات القوية التي تختارها الست «توحة»، إلا أنه دائما نظيف، لامع الشعر، تفوح منه رائحة زيت الزيتون، وهو الوحيد الذي أراه ينام بملابس نوم عكس أخويه، أما الأستاذ هاني أو «ننوسة عين أمه» كما تناديه أمه «توتي» فهو نواة جيدة لصبي مدلل دلال البنات، لكنه الوحيد الذي يحمل ملامح أمه، أما أنا فأراها بشخصياتها الثلاثة أنثى، وأسميتها «نواعم».
لم أقابل زوجها؛ فقد رحل عنها قبل أن أسكن هنا، يقال إنه هجرها منذ ولادة هاني؛ أي منذ أربعة أعوام وعدة أشهر هم عمر هذا الصغير المدلل.
Bog aan la aqoon