Suqrat: Ninkii Ku Dhiiraday Su'aasha
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
Noocyada
وذهل سقراط حينما عرف عدد الرجال الذين حاولوا من قبل أن يكشفوا عن نماذج الأشياء، فقد لبث الناس يتساءلون لأكثر من قرون من الزمان: مم صنع العالم؟ وكيف بلغ ما صار إليه؟ هذه الأسئلة كان يتساءل عنها أبناء الشرق والغرب من الإغريق، ولا تخطر على بال الأثينيين؛ لأنهم أشد جمودا، ولم يكن أنكسجوراس جديدا في زعمه، مثيرا في تفكيره للأقوام الآخرين، كما بدا للأثينيين الذين كانوا يجابهون الآراء العلمية لأول مرة.
وقد أظهرت المقترحات التي صادفت سقراط عن الدنيا ونشأتها أن العلماء - كغيرهم من الناس - يمكن أن يتعجلوا في التفكير، مثال ذلك فكرة أمباذقليس الصقلي الحديث عن الأسماك، فقد حسب أمباذقليس أن الأحياء المائية يتألف أكثر أجسامها من الماء، كما أن الأحياء الأرضية تتألف غالبا من التراب، والطيور التي تحلق في الهواء من النار، ولكن الأسماء استثناء من القاعدة، فهي مليئة بالنار وتهرب إلى الماء للتبريد، وفهم سقراط - عندما سمع بهذا - أن أمباذقليس كان يحاول أن يفسر شيئا شهده بعينه، لا بد أن يكون قد قصد المرفأ ذات صباح، ورأى الأسماك في زوارق السماكين، راقدة وهي تلهث طلبا للماء، ولكن لماذا لم يتناول قط سمكة لكي يتأكد من حرارتها؟ ومع ذلك فإن هذا العالم نفسه قد وصف دورة الدم في جسم الإنسان وعملية التنفس، وصفا يثبت ما لديه من ملاحظة دقيقة.
وهكذا سارت الأمور سنوات عديدة، كما كشف سقراط الملاحظة والحدس، الطيب منها والخبيث، يختلط بعضه ببعض في ارتباط واضطراب، وكان التقدم بطيئا في بعض الأوقات، وكان من اليسير أن يثبط بالطريقة التي كان يعارض بها كل عالم غيره من العلماء، ولكن وراء هذا كله لمح سقراط الفكرة السامية عند هؤلاء العلماء التي جعلت حتى من حماقتهم ضربا من ضروب الحكمة، كانوا جميعا يبحثون عن قانون، قانون متوافق لا يتغير، يقسر جميع الأشياء.
فظن أحدهم أن الماء مصدر كل شيء، إذ رأى المخلوقات المولودة حديثا تزحف من الطين في مصر، بعد أن فاض النيل على شاطئيه، وظن الآخر أن العالم المادي مصدره البخار منتشرا أو مضغوطا، وربما رأى البخار يتكاثف ويتحول إلى ماء والماء يتجمد فيصبح جليدا، وقال ثالث: إن الدنيا لا بد أن تكون مصنوعة من النار التي تأتي إلى الوجود ثم تذهب، وثمت فكرة أخرى شاعت بصفة خاصة بين الأطباء في ذلك الحين، وهي فكرة أمباذقليس، الذي ارتأى أربعة عناصر - التراب والهواء والنار والماء، تمتزج بالشوق وتفترق بالنزاع، وهي في خلال ذلك تكون الدنيا والأجسام البشرية.
وفي كل هذه الأفكار عن مادة دنيوية أساسية مأخذ مشترك، وذلك أنه من العسير على أي امرئ أن يفسر كيف ولماذا تتحول هذه المادة - أيا كانت - إلى الأشياء التي نراها، وقررت - في الواقع - جماعة من الإغريق الغربيين أنه من المستحيل أن تقول: إن أي شيء من الأشياء يتحرك أو يتحول.
وكانوا يدلون بكل ضروب الحجج القوية، ومنها الحجة التالية: تصور سلحفاة، وهي أبطأ المخلوقات، وتصور البطل أخيل العداء السريع يتابعها جريا، فهل نستطيع أن نتخيل أن أخيل يمكن أن يلحق بالسلحفاة؟ إنه لن يستطيع لو فكرنا في الأمر مليا؛ لأننا لو فرضنا أن أخيل يبدأ وراء السلحفاة ويعدو حتى يبلغ النقطة التي بدأت منها السلحفاة، فإنه سيجد أن السلحفاة قد تحركت أصغر ما يمكن من مسافة، ولكن أخيل لم يلحق بها بعد، وقد تمر برهة قصيرة - قد تبلغ جزءا من مائة من الثانية - حتى يصل أخيل إلى النقطة التي كانت بها السلحفاة أخيرا، ولكن السلحفاة قد استغرقت تلك الفرصة من الزمن وتحركت إلى الأمام قليلا، ويمكن أن يتكرر ذلك في المخيلة ولا يلحق أخيل بالسلحفاة مطلقا، وهي فكرة تثير الضحك من غير شك، ولكن لما سخر منها الناس أجابهم زينون - وهو مؤلف اللغز - بأنه من الطبيعي أن يضطرب الأمر في أذهانهم لو اعتقدوا في الأمور المستحيلة مثل التغير والحركة.
هكذا قامت المشكلة، وكلما أمعن سقراط في التفكير اشتدت الأمور تعقيدا، وبدأت الأمور - التي كانت تبدو من قبل يسيرة - تظهر عسيرة لديه كالنمو وإضافة الواحد إلى الواحد، وكأن هذا الجدل بين العلماء لا يؤدي إلى نهاية، وربما كان من الأسباب أنهم يعيرون قليلا من الالتفات لما كان يحدث في الدنيا فعلا، ويصوغون بدلا من ذلك النظريات التي تقوم على غيرها من النظريات، ووجد سقراط أن الأطباء وحدهم هم الذين كانوا يحاولون فعلا أن يمعنوا في الملاحظة، وحتى هؤلاء كانوا يضطربون أحيانا عندما يحاولون أن يدخلوا كل شيء تحت نظرية العناصر الأربعة التي أخذ بها العلماء.
والعلماء أنفسهم في تلك الأيام كانوا يهتمون بما يهتم به الأطباء؛ أعني جسم الإنسان، تعجب العلماء من جسم الإنسان كما تعجب بركليز وصحبه الذين حسبوا الإنسان مخلوقا عجيبا، يكاد يفعل كل شيء تقريبا، وقالوا: ما أعجب الإنسان من مخلوق! إن له عينين يستطيع أن يتلفت بهما إلى أي اتجاه، ويستطيع أن يغلقهما لينام، لهما أهداب لتنقية الهواء، وحاجبان ليبعد بهما العرق، وله أسنان أمامية يقطع بها الطعام، وأسنان خلفية ليطحنه بها، وفمه قريب قربا ملائما لأنفه وعينيه التي ينتقي بها ما يأكله.
ولما فكر أمباذقليس في كل هذا، بدا له أن مخلوقا عجيبا كالإنسان لا يمكن إلا أن يكون قد تطور بعد كثير من المحاولة والخطأ، ولا بد أن يكون قد مرت بالعالم في الأجيال السابقة مخلوقات عجيبة نجهلها اليوم: مخلوقات لها رءوس وصدور في مختلف الاتجاهات ، ثيران لها وجوه الرجال، ورجال لهم وجوه الثيران، وقد اختفوا جميعا عن الأرض وتردوا في هوة النسيان؛ لأنهم لم يصلحوا للبقاء، ولكن لما حدث أن الحيوان الذي كان ظهره من قطعة واحدة - كما كانت الحيوانات جميعا في أول الأمر - قد التوى منه الظهر وانكسر كان هذا التطور مفيدا فاستمر، وظن أمباذقليس أن هذا يفسر لنا لماذا صارت السلسلة الظهرية عند الإنسان اليوم مركبة من قطع صغيرة متكسرة.
ووجد سقراط أن هذا الضرب من ضروب العلم شديد الجاذبية، وبخاصة عندما أخذ العلماء يتحدثون عن عقل الإنسان، كيف يفكر الناس؟ كانت للعلماء في ذلك عدة إجابات، كل منهم يحسب العقل عادة مصنوعا من المادة التي يعتقد أنها المادة الكونية الأساسية، فكان العقل أنقى البخار أو أجمل النار، أو ربما كان الدم الذي يحوط القلب يحمل صورا مما يرى وما يسمع، وذلك هو التفكير، وأمست الفكرة القديمة التي تقول بأن الناس يفكرون بالحجاب الحاجز فكرة بالية، وربما كان للذهن شأن به كما يقول بعض الأطباء.
Bog aan la aqoon