Supplication in the Book of Allah
التوسل في كتاب الله عز وجل
Daabacaha
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Lambarka Daabacaadda
السنة السادسة والثلاثون
Sanadka Daabacaadda
١٢٤ - ١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م.
Noocyada
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
أما بعد: فإن كتاب الله نور وهداية وحياة، وإنّ المتدبر في هذا القرآن العظيم ليجد فيه من الكنوز والمعاني والعلوم والمعارف بحورًا تتلاطم لا سواحل لها، إنه قرآن عجب لا يدرك غوره، ولا يستطيع الخلق من إنس وجان ولو اجتمعوا أن يحيطوا به.
وكتاب الله ﷿ هو الحكم بين الناس إذا وقع بينهم خلاف قال الله ﵎: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ
_________
١ آل عمران: ١٠٢
٢ النساء: ١
٣ الأحزاب: ٧٠-٧١
1 / 13
أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ ١.
هذا وإن مما تنازع فيه بعض الناس موضوع التوسل، ولرفع هذا النزاع ليس لنا إلا أن نرجع إلى كتاب ربنا، وسنة نبينا ﷺ، ولذا أحببت أن يكون بحثي في هذا الموضوع، راجيًا أن يكون قاطعًا للخلاف في هذا الموضوع، وجامعًا للقلوب على ما هو الحق فيه، والله من وراء القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
_________
١ الإسراء: ٩
1 / 14
تمهيد
موضوع التوسل من أهم المواضيع، بل هو من أعظمها خطرًا، وهو من الأمور التي يخطئ فيها كثير من الناس، وذلك لعدم معرفتهم سبل التوسل الصحيحة المشروعة، وكل ذلك ناشئ عن فهم خاطئ لحقيقة التوسل، أو تصور غير صحيح، أو تقليد أعمى.
والمتدبر لكتاب الله ﷿ يجد أن الكتاب الكريم قد أبان في مواضع كثيرة منه السبل المشروعة في التوسل إلى الله جل وعلا، وهذه السبل هي التوسل إلى الله جل وعلا بالإيمان الصادق الصحيح، والتوسل إلى الله ﵎ بما شرع من أعمال صالحة، والتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، والتوسل إلى الله تعالى بفضله ورحمته وإحسانه، والتوسل إلى الله ﷿ بدعاء الصالحين الأحياء من عباده.
هذا ومن المعلوم أن كثيرًا من عباد القبور اليوم، والمستغيثين بالأولياء والصالحين، إنما كان سبب انحرافهم هذا هو تعظيمهم للصالحين، تعظيمًا بلغ حدّ الغلو، وإذا ما نوقش أحدهم ونهي عما يقع منه من شرك يقول: إنه لا يعبد هذا الصالح وإنما يتوسل به إلى الله تعالى، وربما يضرب لك مثلًا فيقول: إنك عند ما تريد أمرًا ما من ملك أو رئيس فإنك تتوسل إليه وتستشفع بمقرّب عنده؛ فيشبه هذا المسكين الخالق جل وعلا بالمخلوق؛ وما علم المسكين أن عظماء الدنيا يحتاجون إلى شفعاء لأمور:
منها: أن ذلك العظيم لا يعلم حال الناس، ولا يطلع على حوائجهم، فيحتاج إلى من يبلغه ذلك عنهم، وهل الرب جل وعلا الذي أحاط علمه بكل شيء يحتاج إلى من يخبره عن خلقه؟ ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ ١.
_________
١ سورة الملك: ١٤.
1 / 15
وأيضا فإن ذلك الرئيس إنما يقبل شفاعة الشافع رجاءً أو خوفًا، تعالى الله ﷿ عن ذلك علوا كبيرًا.
وهذا العظيم يحتاج إلى من يرقق قلبه، ويسترحمه لينظر في أمور هؤلاء المحتاجين، والله ﷿ هو أرحم الراحمين، بل هو أشد رحمة بالعبد من أمه وأبيه، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن يصيبه” ١، وروى مسلم في صحيحه من حديث سلمان ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ “إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة” ٢، والله جل وعلا عند ما أرشد إلى دعائه لم يجعل بيننا وبينه وسائط ووسائل من الخلق في ذلك ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ ٣ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ ٤.
هذا وإن ما يقوله بعض مدعي الإسلام اليوم ممن يقع في عبادة القبور هو ما قاله بالأمس كفار قريش ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي
_________
١ صحيح البخاري ٨/١٨.
٢ صحيح مسلم ٨/٩٦.
٣ البقرة: ١٨٦
٤ غافر: ٦٠
1 / 16
مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ ١ فإنهم لم يكونوا يعتقدون أن أصنامهم تخلق وترزق وتمرض وتشفي ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ ٢ ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ ٣
هذا ومن المعلوم أيضًا أن أول شرك وقع في الأرض وهو شرك قوم نوح ﵇ إنما كان بسبب تعظيم الصالحين، والتوسل بهم، فقد روى البخاري ﵀ في صحيحه بسنده عن ابن عباس ﵄ قال: “صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح إلى العرب بعد؛ أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع. أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسمّوها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت” ٤.
وأورد ابن حجر ﵀ عن السهيلي رحمه الله تعالى في التعريف “إن يغوث هو ابن شيث بن آدم فيما نقل، وكذلك سواع وما بعده، وكانوا يتبركون بدعائهم، فلما مات منهم أحد مثلوا صورته فتمسحوا بها إلى زمن مهلائيل فعبدوا بتدريج الشيطان لهم” ٥.
وهكذا نرى الشرك إنما دخل على الناس من باب الصالحين والغلو فيهم،
_________
١ الزمر: ٣
٢ الزمر: ٣٨
٣ يونس: ٣١
٤ صحيح البخاري ٦/١٦٠.
٥ فتح الباري ٨/٦٦٨
1 / 17
وتصوير صورهم، والتبرك بهم، والتوسل بهم، ومن هنا يتبين عظيم حاجتنا إلى معرفة سبل التوسل الصحيحة، وهي بحمد الله تعالى بينة واضحة في كتاب ربنا الذي ما فرط الله ﷿ فيه من شيء، على أن أعظم ما يتوسل به المرء هو التقرب إلى الله ﷿ بصالح الأعمال، وجليل الخلال، وإلى هذا أشار سيدنا رسول الله ﷺ إذ يقول فداه أبي وأمي ونفسي “انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا١، فناء ٢ بي في طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج، قال النبي ﷺ، وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحبّ الناس إليّ، فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ابتغاء وجهك ففرج عنّا ما نحن فيه، فانفرجت غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، قال النبي ﷺ: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد
_________
١ أغبق فلانا: أي أسقيه عشاءً فيشرب.
٢ أي ابتعد في طلب شيء فكان سبب تأخره عنهما.
1 / 18
حين، فقال يا عبد الله أد إلي أجري، فقلت له كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون” ١.
فهؤلاء الثلاثة الصالحون لما وقعوا في الشدة لم يجدوا ما ينقذهم منها، أو يخلصهم من الهلكة سوى أن يتوسلوا إلى الله ﷿ بأفضل ما عملوا مما ابتغوا به وجه ربهم ﷿، ولم يجدوا أعظم من بر الوالدين والإحسان إليهما، وكذا إعطاء الأجير أجره وحفظه له، وتنميته، ومن ثم تسليمه له دون طمع في شيء منه مع كثرته، وكذا التوسل بالعفاف وترك الحرام مع القدرة التامة عليه.
وبمثل هذا أرشد رسول الله ﷺ أمته، وعلمهم كيف يتوسلون إلى ربهم، ومما يؤكد ذلك ويزيل كل وهم في باب الوسيلة ما حدّث به ربيعة بن كعب الأسلمي ﵁ قال: “كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: “سل” فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: “أو غير ذلك” قلت: هو ذاك، قال: “فأعني على نفسك بكثرة السجود” ٢.
وهكذا نرى رسول الله ﷺ يعلم هذه الأمة كيف تتوسل إلى ربها، وذلك بإخباره عما كان من الأمم السابقة من التوسلات الصحيحة التي قبلت فرأى أصحابها آثارها، وكذلك بإرشاد من أراد مرافقة النبي ﷺ في الجنة، وهذا مقام من أعظم المقامات، ولذا دله الرسول ﷺ على عمل هو من أفضل الأعمال، ألا وهو الإكثار من الصلاة.
وفي هذا يقول الرسول ﷺ: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد
_________
١ صحيح البخاري ٣/٩١، وصحيح مسلم ٨/٨٩، واللفظ للبخاري.
٢ صحيح مسلم ٢/٥٢، ولفظ أبي داود ٤/٣٠٤ والنسائي ٢/١٨٠ “كنت أبيت مع رسول الله ﷺ آتيه بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني ...
1 / 19
فأكثروا الدعاء” ١ فلعل هذا تفسير قول الله ﷿ ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ ٢.
هذا وإن التوسل إلى الله ﷿ والتزلف إليه بعمل محابه، واجتناب موجبات سخطه ما زال ديدن المؤمنين، وخاصة النبيين من عباد الله ﷿ وجل، يقول الله جلت قدرته: ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا. قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ ٣.
وإن سياق الآيات الكريمات ليوحي بموقف النبيين المخالف لموقف المشركين الذين يتوسلون بأندادهم وآلهتهم التي لا تملك شيئًا، وإنه موقف سادة الموحدين الذين يخلصون الدعاء لربهم ﷿، ولا يطمعون في أحد سواه كائنًا من كان.
_________
١ رواه مسلم ٢/٤٩ من حديث أبي هريرة ﵁.
٢ العلق: ١٩.
٣ الإسراء: ٥٥-٥٧.
معنى التوسل: الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير، من وسل يسل أي عمل ما يتقرب به، ويكون له به منزلة، والوسيلة: الدرجة، والوسيلة: القربة. والوسيلة: هي التوصل إلى الشيء برغبة. وأنا متوسل إلى الله بكذا، وواسل، ووسلت إليه، وتوسلت إلى الله بالعمل أي تقربت، قال لبيد: أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم بلى كل ذي دين إلى الله واسل١ قال الحلبي: “وقال بعضهم: حقيقة التوسل إلى الله مراعاة سبيله بالعلم _________ ١ البيت في لسان العرب ١١/٧٢٤ مادة (رسل) .
معنى التوسل: الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير، من وسل يسل أي عمل ما يتقرب به، ويكون له به منزلة، والوسيلة: الدرجة، والوسيلة: القربة. والوسيلة: هي التوصل إلى الشيء برغبة. وأنا متوسل إلى الله بكذا، وواسل، ووسلت إليه، وتوسلت إلى الله بالعمل أي تقربت، قال لبيد: أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم بلى كل ذي دين إلى الله واسل١ قال الحلبي: “وقال بعضهم: حقيقة التوسل إلى الله مراعاة سبيله بالعلم _________ ١ البيت في لسان العرب ١١/٧٢٤ مادة (رسل) .
1 / 20
والعبادة وتحري أحكام الشريعة، وعلى هذا فهي مقاربة للقربة” ١.
وبهذا يتبين أن الوسيلة: هي التقرب إلى الله تعالى بما يحب من الاعتقادات، والأعمال، والأقوال، وسؤاله تعالى بأسمائه وصفاته وبفضله وكرمه.
فمن أراد التوسل إلى ربه ﷿ فإنما يصل إليه عن طريق العمل بشريعته واتباع نبيه ﷺ.
وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ٢ إن الرب جل وعلا يرشد عباده المؤمنين، بل يأمرهم بتقواه ﵎، فباتقائهم ربهم يكونون قد ابتغوا إليه جل وعلا الوسيلة والطريقة التي تقربهم منه، وترضيه عنهم، إذ التقوى إنما هي العمل بما يحبّ وترك ما يكره، فهذا أعظم الوسائل وأقربها لإدراك الفلاح الذي هو الظفر بالمطلوب المرغوب، والنجاة من المخوف المرهوب، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لسلوك ما يحب، إنه سبحانه خير مسؤول ومجيب.
قال ابن كثير: “يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف عن المحارم، وترك المنهيات، وقد قال بعدها: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس: “أي القربة” وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن ... وقال قتادة: “وتقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه” وقرأ ابن زيد ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ ٣“.
_________
١ عمدة الحفاظ ٤/٣٥٩.
٢ المائدة: ٣٥.
٣ الإسراء: ٥٥-٥٧، تفسير ابن كثير ٣/٥٢.
1 / 21
ما في سورة الفاتحة من توسلات
إن أول ما يتلوه قارئ كتاب الله تعالى أمّ القرآن، والفاتحة قد اشتملت على توسلات لله تعالى هي من أعظم ما يتوسل به العبد لربه تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾
الحمد وأول ما يتوسل به العبد هو حمده لربه جل وعلا وشكره له بوصفه ربًاّ للعالمين، أي خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم ومصرف أحوالهم، الذي يربيهم بنعمه وإحسانه، وهو جل وعلا الرحمن الذي شملت رحمته كل خلقه من برٍّ وفاجر في الدنيا، وهو جل وعلا الرحيم بعباده المؤمنين كما قال تعالى ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ ١ فهذا توسل بأسمائه تعالى الحسنى وبصفاته العلى، وهو جل وعلا مالك يوم الدين وهو يوم القيامة حيث يجازي الخلق بأعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ثم يتوجه العبد إلى ربه ويتوسل إليه بتوحيده له قائلًا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.﴾ أي نخصك يا ربنا بالعبادة، ونفردك بها، فلا نعبد أحدًا سواك، ولا نتوجه إلى أحد غيرك كائنًا من كان، ونخصك بالاستعانة على العبادة وعلى أمورنا كلها، فلا نتوكل على أحد سواك.
وبعد هذه التوسلات العظيمة بشكره جل وعلا وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وبتوحيده ﵎ يدعو العبد قائلًا: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ﴾ فدل ذلك على أن أعظم ما يسأله العبد ربه إنما هو الهداية إلى صراطه المستقيم الذي هو دين الله الذي بعث به رسوله ﷺ، وأنزل به كتابه الكريم، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين٢،
_________
١ الأحزاب: ٤٣
٢ قال الله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩]
1 / 22
ويخالف صراط المغضوب عليهم ١، وهم اليهود الذين آتاهم الله علمًا ولكنهم لم يشكروه بالعمل به، ويخالف صراط الضالين الذين عبدوا الله على غير الهدى٢، فعبدوه بالمحدثات والمبتدعات، فعملوا بغير علم، ومن هنا كان ضلالهم.
ولما كان هذا من أعظم ما يسأله المرء فرضت قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة، وجعلت ركنًا من أركان الصلاة، فيدعو المسلم بهذا الدعاء العظيم ما لا يقل عن سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة، ويتعلم المؤمن بذلك كيف يدعو ربه، وكيف يتوسل إليه التوسل الشرعي الصحيح، وكيف يتملق ربه، ويتزلف إليه، ويتقرب إليه بما يحب ويرضى.
_________
١ قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ٦٠]
٢ قال الله تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ٢٧]
1 / 23
التوسل إلى الله بالإيمان والعمل الصالح
آيات القرآن الكريم يكثر فيها ذكر توسل المؤمنين بإيمانهم، والتوسل إلى الله ﷿ بالإيمان به، وبما أوجب الإيمان به، وكذا التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، والقربات النافعة، فهذه توسلات صحيحة نافعة، دل عليها القرآن الكريم، قال تعالى حكاية عن المؤمنين: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ١.
قال ابن كثير ﵀: “يصف ﵎ عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ أي آمنا بك وبكتابك ورسولك ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ أي بإيماننا بك، وبما شرعته لنا فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك وبرحمتك”٢ فهؤلاء الصالحون توسلوا إلى ربهم جل وعلا بإيمانهم بكتاب ربهم ورسله، ذلك الإيمان الذي يدفع صاحبه إلى الأعمال الصالحة، وفعل ما يرضي الرب جل وعلا، ودلّ على توسلهم بالإيمان الفاء في
_________
١ آل عمران: ١٦
٢ تفسير ابن كثير ١/٣٥٣. قال أبو حيان رحمه الله تعالى: “ثم سألوا الغفران، ووقايتهم من النار مرتبا ذلك على مجردّ الإيمان، فدّل على أن الإيمان يترتب عليه المغفرة” [البحر المحيط ٢/٣٩٩] .
وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى: “وقوله (الذين يقولون) عطف بيان للذين اتقوا، وصفهم بالتقوى، وبالتوجه إلى الله تعالى بطلب المغفرة، ومعنى القول هنا الكلام المطابق للواقع في الخبر، والجاري على فرط الرغبة في الدعاء في قولهم (فاغفر لنا ذنوبنا) إلخ، وإنما يجري كذلك إذا سعى الداعي في وسائل الإجابة، وترقيها بأسبابها التي ترشد إليها التقوى، فلا يجازى هذا الجزاء من قال ذلك بفمه ولم يعمل به” [التحرير والتنوير ٣٠/١٨٤-١٨٥] قلت: والإيمان الصحيح يدعو صاحبه إلى العمل الصالح ولا بدّ.
1 / 24
قولهم (فاغفر لنا) لأنها تفيد ترتيب ما بعدها على ما قبلها، فكأنهم قالوا بإيماننا بك يا ربنا وتصديقنا بما أمرتنا به فاغفر لنا ذنوبنا وأعذنا من عذاب النار.
وقال تعالى حكاية عن أصحاب رسول الله ﷺ عند ما أعلنوا استسلامهم لأمر الله ﷿، واستعدادهم التام للمسارعة إلى ما يطلب منهم ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ ١ قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (وقوله: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه، وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه ﴿غفرانك ربّنا﴾ سؤال للمغفرة والرحمة واللطف) ٢، فقولهم غفرانك كأنهم قالوا: اغفر لنا ياربنا لاستجابتنا لك واستسلامنا لأمرك، وطاعتنا لك فيما تطلبه منا.
وقال ﷿ حكاية عن المتقين ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ٣، فكأنهم قالوا بإيماننا بك يا ربنا وتصديقنا بما أمرتنا فاغفر لنا ذنوبنا وأعذنا من عذاب النار.
وفي قوله تعالى حكاية عن الحواريين أتباع عيسى ﵇: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ ٤ فهؤلاء الحواريون من أنصار عيسى ﵇ توسلوا إلى الله ﷿ بإيمانهم الصادق، واتباعهم لرسوله عيسى ﵇ ليجعلهم الله تعالى من الشاهدين الذين يشهدون لله ﷿ بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة والبلاغ، أو أنهم دعوا الله ﷿ أن يجعلهم من الشاهدين وهم رسول الله محمد ﷺ وأمته الذين يشهدون للأنبياء
_________
١ البقرة: ٢٨٥.
٢ تفسير ابن كثير ١/٣٤٢.
٣ آل عمران: ١٦.
٤ آل عمران: ٥٣.
1 / 25
والرسل صلوات الله وسلامه عليهم بأداء الأمانة وتبليغ الرسالة، قال في الفتوحات الإلهية “قوله ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ يعني الذين شهدوا لأنبيائك بالصدق، واتبعوا أمرك ونهيك، فاثبت أسماءنا مع أسمائهم، واجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به” ١.
وأيًا كان فإن سؤالهم لربهم كان بالإيمان والاتباع، واتباع الرسول ﷺ من أعظم ما يتقرب به إلى الله ﷿، ويتوسل به إليه لغفران الذنوب وتكفير السيئات، قال الله ﷿: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٢.وفي آخر سورة آل عمران نجد مشهدًا مؤثرًا يذكره الله ﷿ عن أولئك المؤمنين أولي الألباب الصحيحة، والعقول الراجحة إنه مشهد الضراعة والتذلل الذي ينمّ عن الخشوع، والخشية والإنابة، قال ﵎ حكاية عنهم: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ ٣ وهذه التوسلات الضارعة الصادرة عن قلوب منيبة خاشعة، إنما كانت توسلًا بسرعة الاستجابة لداعي الله ﷿ دونما تردد ولا تلكؤ، فما أن سمعوا الداعي حتى آمنوا بربهم إيمانا راسخًا دعاهم إلى هذا الابتهال الدالّ على عظيم خوفهم من ربهم، وكبير رجائهم وطمعهم في
_________
١ الفتوحات الإلهية ١/٣٣٣.
٢ آل عمران: ٣١
٣ آل عمران: ١٩١-١٩٤
والرسل صلوات الله وسلامه عليهم بأداء الأمانة وتبليغ الرسالة، قال في الفتوحات الإلهية “قوله ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ يعني الذين شهدوا لأنبيائك بالصدق، واتبعوا أمرك ونهيك، فاثبت أسماءنا مع أسمائهم، واجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به” ١. وأيًا كان فإن سؤالهم لربهم كان بالإيمان والاتباع، واتباع الرسول ﷺ من أعظم ما يتقرب به إلى الله ﷿، ويتوسل به إليه لغفران الذنوب وتكفير السيئات، قال الله ﷿: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٢. _________ ١ الفتوحات الإلهية ١/٣٣٣. ٢ آل عمران: ٣١
والرسل صلوات الله وسلامه عليهم بأداء الأمانة وتبليغ الرسالة، قال في الفتوحات الإلهية “قوله ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ يعني الذين شهدوا لأنبيائك بالصدق، واتبعوا أمرك ونهيك، فاثبت أسماءنا مع أسمائهم، واجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به” ١. وأيًا كان فإن سؤالهم لربهم كان بالإيمان والاتباع، واتباع الرسول ﷺ من أعظم ما يتقرب به إلى الله ﷿، ويتوسل به إليه لغفران الذنوب وتكفير السيئات، قال الله ﷿: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٢. _________ ١ الفتوحات الإلهية ١/٣٣٣. ٢ آل عمران: ٣١
1 / 26
توسل الصحابة رضي الله عليهم
...
وقال تعالى حكاية عن أصحاب رسول الله ﷺ عند ما أعلنوا استسلامهم لأمر الله ﷿، واستعدادهم التام للمسارعة إلى ما يطلب منهم ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ ١ قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (وقوله: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه، وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه ﴿غفرانك ربّنا﴾ سؤال للمغفرة والرحمة واللطف) ٢، فقولهم غفرانك كأنهم قالوا: اغفر لنا ياربنا لاستجابتنا لك واستسلامنا لأمرك، وطاعتنا لك فيما تطلبه منا.
وقال ﷿ حكاية عن المتقين ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ٣، فكأنهم قالوا بإيماننا بك يا ربنا وتصديقنا بما أمرتنا فاغفر لنا ذنوبنا وأعذنا من عذاب النار.
توسل الحواريين ... وفي قوله تعالى حكاية عن الحواريين أتباع عيسى ﵇: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ ٤ فهؤلاء الحواريون من أنصار عيسى ﵇ توسلوا إلى الله ﷿ بإيمانهم الصادق، واتباعهم لرسوله عيسى ﵇ ليجعلهم الله تعالى من الشاهدين الذين يشهدون لله ﷿ بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة والبلاغ، أو أنهم دعوا الله ﷿ أن يجعلهم من الشاهدين وهم رسول الله محمد ﷺ وأمته الذين يشهدون للأنبياء
توسل الحواريين ... وفي قوله تعالى حكاية عن الحواريين أتباع عيسى ﵇: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ ٤ فهؤلاء الحواريون من أنصار عيسى ﵇ توسلوا إلى الله ﷿ بإيمانهم الصادق، واتباعهم لرسوله عيسى ﵇ ليجعلهم الله تعالى من الشاهدين الذين يشهدون لله ﷿ بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة والبلاغ، أو أنهم دعوا الله ﷿ أن يجعلهم من الشاهدين وهم رسول الله محمد ﷺ وأمته الذين يشهدون للأنبياء
1 / 25
توسل أولي الألباب
...
وفي آخر سورة آل عمران نجد مشهدًا مؤثرًا يذكره الله ﷿ عن أولئك المؤمنين أولي الألباب الصحيحة، والعقول الراجحة إنه مشهد الضراعة والتذلل الذي ينمّ عن الخشوع، والخشية والإنابة، قال ﵎ حكاية عنهم: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ ٣ وهذه التوسلات الضارعة الصادرة عن قلوب منيبة خاشعة، إنما كانت توسلًا بسرعة الاستجابة لداعي الله ﷿ دونما تردد ولا تلكؤ، فما أن سمعوا الداعي حتى آمنوا بربهم إيمانا راسخًا دعاهم إلى هذا الابتهال الدالّ على عظيم خوفهم من ربهم، وكبير رجائهم وطمعهم في
1 / 26
رحمة ربهم، وإنّ المتأمل في هذا الدعاء ليستشعر اليقين الذي ملأ قلوبهم، والذل والاستكانة التي ملأت نفوسهم وهم يبتهلون ضارعين مستنجزين ربهم جل شأنه ما وعدهم من إجابة دعائهم، وغفران ذنوبهم وإجارتهم من دخول النار، وإدخالهم في رحمته ١، وأن يتوفاهم مع الأبرار لينزلوا منازلهم، ويكونوا في جوار ربهم، وكل ذلك كان ثمرة تفكرهم في مخلوقات الله تعالى، ذلك التفكير الذي هداهم إلى الإيمان بربهم، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق بجلاله وعظمته، وأنه جل وعلا لم يخلق الخلق باطلًا، ولم يوجدهم عبثًا، فهو المنزه عن العبث، بل له الحكم البالغة والأسرار العظيمة التي اقتضت إيجاده هذا الخلق العظيم.
فهذا توسل بسرعة الاستجابة لداعي الله ﷿، واتباعه، كما أنه توسل بالإيمان بالرب جل وعلا، وتوسل بصفة عظيمة من صفات الله ﷿ وهو عدم إخلافه ﵎ لما وعد به عباده المؤمنين، فهذه كلها توسلات صحيحة، دلّ كتاب الله ﷿ على مشروعيتها، ومحبة الله ﷿ لعباده أن يتوسلوا إليه بها.
التوسل الذي أمر به النبي ﷺ ... هذا وإن أعظم ما يتوسل به المرء من الأعمال الصالحة بعد توحيده لربه إنما هو الصلاة، التي تجمع بين أنواع من العبادة، فهي تشتمل على تلاوة القرآن، وعلى ذكر الله ﷿، وعلى الركوع، والسجود، والدعاء، والتذلل، والخشوع، والإنابة، والرجاء، والتضرع، والاستكانة؛ فلذا كانت من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه جل وعلا، وحقّ للمصلي أن يدعو مولاه، وأن يستجيب _________ ١ إن التالي لقول الله تعالى حكاية عن هؤلاء الصالحين ﴿مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ ليحسّ في دعائهم؟ بالتضرع والتذلل والمسكنة وإظهار العجز والحاجة إلى ربهم جل وعلا كما يشعر بأن هؤلاء قوم تنزهوا عن الظلم بجميع أنواعه، وأنهم يعلمون يقينًا أن الظالمين لا يجدون من ينصرهم يوم القيامة من دون الله ﷿.
التوسل الذي أمر به النبي ﷺ ... هذا وإن أعظم ما يتوسل به المرء من الأعمال الصالحة بعد توحيده لربه إنما هو الصلاة، التي تجمع بين أنواع من العبادة، فهي تشتمل على تلاوة القرآن، وعلى ذكر الله ﷿، وعلى الركوع، والسجود، والدعاء، والتذلل، والخشوع، والإنابة، والرجاء، والتضرع، والاستكانة؛ فلذا كانت من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه جل وعلا، وحقّ للمصلي أن يدعو مولاه، وأن يستجيب _________ ١ إن التالي لقول الله تعالى حكاية عن هؤلاء الصالحين ﴿مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ ليحسّ في دعائهم؟ بالتضرع والتذلل والمسكنة وإظهار العجز والحاجة إلى ربهم جل وعلا كما يشعر بأن هؤلاء قوم تنزهوا عن الظلم بجميع أنواعه، وأنهم يعلمون يقينًا أن الظالمين لا يجدون من ينصرهم يوم القيامة من دون الله ﷿.
1 / 27
له ربه، قال الله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ ١ إنه دعاء أمر به الرسول ﷺ بعد أن أمر بإقامة الصلوات الخمس، وقيام الليل يتلو كتاب ربه متهجدًا به، ضارعًا إليه ليكون ذلك موصلًا له إلى ذلك المقام المحمود الذي يحمده عليه الخلائق أجمعون، وهو مقام الشفاعة العظمى التي لا يتقدم لها يوم القيامة أحد سواه صلوات الله وسلامه عليه ٢.
فهذا أمر من الله ﷿ لرسوله ﷺ، وهو تعليم للأمة يدلّ على أن الصلوات المفروضة من أعظم ما يتوسل به العبد إلى ربه ﵎، ومن أعظم ما يتوسل به العبد بعد الصلوات المفروضة إنما هو قيام الليل، حيث يستيقظ العبد في جوف الليل تاركًا لذيذ منامه ليناجي ربه، ويتضرع إليه.
ومن أعظم ما يتوسل به كذلك قراءة القرآن الكريم، وخاصة في صلاة الفجر، ذلك الوقت الذي تشهده الملائكة الحفظة ﵈ الذين يكتبون أعمال بني آدم ٣.
_________
١ الإسراء: ٧٨-٨٠
٢ حديث الشفاعة الطويل المشهور رواه البخاري ٩/١٢١، مسلم ١/١٢٣، وينظر البخاري ٦/٨٦.
٣ روى البخاري رحمه الله تعالى بسنده عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: “فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح” يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودًا﴾ [الإسراء: ٧٨]
توسل كليم الله موسى ﵇ ... وهنالك موقف جليل من مواقف كليم الله موسى على نبينا وعليه
توسل كليم الله موسى ﵇ ... وهنالك موقف جليل من مواقف كليم الله موسى على نبينا وعليه
1 / 28
الصلاة والسلام، وذلك عند ما أمره الله ﵎ أن يذهب إلى فرعون الطاغية ليدعوه إلى توحيد الله ﷿، وترك ما عليه من الشرك وادعاء الألوهية، وليخلص بني إسرائيل من العذاب المهين، ويرسلهم معه، فبادر موسى ﵇ بالاستجابة لأمر ربه، وقال مستعينا على ما كلّف به: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي. وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي. هَارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا. وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا. إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا. قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾ ١ فهذا توسل الكليم ﵇، إنه توسل بسرعة استجابته لأمر الله ﷿ بالذهاب إلى فرعون، وجعل قوله: ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا. وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ علّة لدعائه بإشراك أخيه هارون في الرسالة، وكأنه طلب إجابة دعائه ليكون وأخوه من الذاكرين الله كثيرا الذي لا يشغلهم شيء عن ذكر مولاهم، وهذا هو التوسل الصحيح بالذكر والدعاء، ولذا استجاب الله ﷿ دعاءه، قال: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾ وجدير بمثل هذا الدعاء المتضمن للتوسل الصحيح أن يجاب، ولصاحبه أن لا يخيب.
_________
١ طه: ٢٥-٢٩
٢ الأحقاف: ١٥
التوسل ببر الوالدين ... ومن مواقف التوسل المشروع الذي عرض له كتاب الله ﷿ موقف من هو صالح بارّ بوالديه، قال الله ﵎ ﴿وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ٢ إنه حال رجل عرف إنعام ربه عليه، فهو يرى نعم الله عليه تترى،
التوسل ببر الوالدين ... ومن مواقف التوسل المشروع الذي عرض له كتاب الله ﷿ موقف من هو صالح بارّ بوالديه، قال الله ﵎ ﴿وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ٢ إنه حال رجل عرف إنعام ربه عليه، فهو يرى نعم الله عليه تترى،
1 / 29
وإحسانه لا ينقطع، فيلهج لسانه بالتضرع والدعاء أن يلهمه شكر نعمه التي أنعمها عليه وعلى والديه، وأن يوفقه للعمل الصالح الذي يرضاه جل وعلا، وأن يصلح في ذريته ليكونوا عبادا صالحين مثله، يطيعون ربهم، ويعمرون الأرض بالصالحات، فتوسل إلى ربه جل وعلا بتوبته إليه، وندمه على تقصيره وتفريطه، وإقراره بذنبه، وتوسل إليه بأنه مستسلم لأمره، خاضع لطاعته، مخلص له العبادة، وإنه لتوسل من أعظم التوسلات؛ إذ توسل بإقراره بنعم ربه عليه، وشكره لأنعمه، وطلب العون من ربه على شكره، وحسن عباده، وصلاح ذريته، وهذا التوسل بالخطأ والإقرار بالذنب، والندم على الزلة، وأخيرًا التوسل بالاستسلام التام لله رب العالمين، ولهذا كان عاقبة هذا التوسل ما قاله ربنا جل وعلا ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ ١.
التوسل بالصبر ... ومن التوسل المشروع التوسل إلى الله تعالى بالصبر على ما يصاب به المؤمن ويبتلى به من تسلّط أعداء الله عليه، وإذاقته صنوف العذاب ليردّوه عن دينه، ويفتنوه في إيمانه، يقول الله تعالى حاكيا عن سحرة الأقباط الذين أعلنوا إيمانهم بين يدي فرعون عليه لعائن الله ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ. قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ. وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ ٢ إنه لموقف عظيم لا يقفه إلا من قد ملأ الإيمان قلبه، وخالطت بشاشته فؤاده، موقف الثبات على الإيمان رغم هذا الوعيد الشديد، _________ ١ الأعراف: ١٢١-١٢٦
التوسل بالصبر ... ومن التوسل المشروع التوسل إلى الله تعالى بالصبر على ما يصاب به المؤمن ويبتلى به من تسلّط أعداء الله عليه، وإذاقته صنوف العذاب ليردّوه عن دينه، ويفتنوه في إيمانه، يقول الله تعالى حاكيا عن سحرة الأقباط الذين أعلنوا إيمانهم بين يدي فرعون عليه لعائن الله ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ. قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ. وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ ٢ إنه لموقف عظيم لا يقفه إلا من قد ملأ الإيمان قلبه، وخالطت بشاشته فؤاده، موقف الثبات على الإيمان رغم هذا الوعيد الشديد، _________ ١ الأعراف: ١٢١-١٢٦
1 / 30