Sunduq Dunya
صندوق الدنيا
Noocyada
قال وقد زادت حيرته: «أعلم هذا، ولكن ما العلاقة بين كوننا في ديسمبر وبين صورتي؟»
فابتسم رئيسه وقال: «قد اعتزمت أن أعطيك جواز ركوب مجاني للترام. هذا ما أستطيع أن أكافئك به الآن، وقد كان بودي أن أزيد مرتبك، ولكن لا أرى هذا ميسورا في الوقت الحاضر. وفي مرجوي أن أستطيع بعد قليل.»
ولبث أياما يخجل أن يبرز الجواز أو ينبئ عمال الترام أنه «أبونيه» ويؤدي أجر الركوب، ذلك أنه أحس بشيء من الحرج؛ لأن الجواز مجاني، وخيل إليه لغير ما سبب معقول أن «الأبونيه» منحة من الشركة، فلا يبعد أن يخطر لها يوما أن تسترده، وتجسم له وهمه فكان يتصور أن العامل جاءه يطلب ثمن التذكرة، فقال له «أبونيه» فطلب رؤية «الأبونيه» وفتحه ثم طواه ودسه في جيبه وقال «تذكرة من فضلك»، ومع اطمئنانه إلى استحالة هذا، صار يستدرج إخوانه الذين يحملون مثل جوازه ليركبوا معه. أو على الأصح يركب معهم وإن كان طريقهم غير طريقه ليطمئن ويتشجع، حتى ألف هذه الحالة الجديدة. وعلى أنه مع ذلك ظل زمنا كلما مر به عامل الترام وهو راكب، يتوخى أن يكون سلوكه وهيئته على خير ما ينبغي. فإذا كان واضعا رجلا على رجل أنزلها، وإذا كان يتكلم صمت، وإذا كان ناظرا إلى اليمين أو الشمال رمى بعينه إلى الأمام كأنه تلميذ لمحه المدرس يتشاغل عن الدرس.
وكتب يوما مقالا ودفعه إلى رئيسه فما راعه في اليوم الثاني إلا رؤية المقال في صدر الجريدة وفي ذيله اسمه. فألقى القلم وأسرع إلى رئيسه يؤكد له أنه لم يذيل المقال باسمه، وأن المسئول سواه عن هذا الخطأ أو التصرف المعيب.
فقال رئيسه: «ألم يخطر لك أن من الغبن أن جمهور القراء يجهل اسم كاتب مقالاتك؟»
فدهش واستحيا أن يخالف رئيسه لا جبنا؛ بل لأنه لا يحب أن يتهمه رئيسه بقلة الفهم، ومضى الرئيس في كلامه فقال: «لقد وضعت اسمك في آخر المقال حتى من غير أن أستأذنك.» فتمتم «العفو. أستغفر الله.» «لأني رأيت أن من الواجب إنصافك. إن أسلوبك فيه فن وقوة لا أرى لهما مشبها في كتابات غيرك. ومن العدل أن يعرف القراء أنك أنت صاحب هذا الفن الرائع ومبتكر هذا الأسلوب المحكم.»
فوجد قوة كافية للاعتراض فقال: «ولكني لا أعرف أن لي أسلوبا ...»
فقاطعه رئيسه: «إن هذا تواضع يزيد قدرك.»
فتحامل على نفسه وقال: «أؤكد لك أني صادق.» «لا شك في ذلك.» «ليس لي أسلوب أو فن، وليس في قولي هذا شيء من التواضع إنها الحقيقة.»
قال الرئيس «إذن هو كبر أن يكون بك كبر.»
Bog aan la aqoon