53 -
أنبأنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد
[ص: 145]
بن عمرو بن حزم، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، قال: رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم لكسوف الشمس ركعتين , في كل ركعة ركعتان. وسمعت أبا جعفر الطحاوي يقول: سمعت المزني يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: إنما صلى ابن عباس وحده؛ لأن الإمام لم يصل , ولو صلى الإمام لصلى بصلاته , وهكذا ما رأى الليث بن سعد بمكة: ترك الإمام الصلاة , فلم تكن جماعة تصلى , وذكر أنه رأى بعضهم يدعو قائما بعد العصر فأما من رأى من المكيين , فليسوا يتوقون الصلاة بعد العصر فيما يلزمهم، يصلون للطواف وكل صلاة لزمت , ولعلهم إنما تركوا ذلك تقية للسلطان إذ لم يصل , فإن السلطان قد كان يعبث بهم في ذلك الزمان. وأما أيوب بن موسى فمذهب أصحابه المدنيين أن لا يصلى بعد العصر , ولا بعد الصبح لطواف ولا غيره , إلا أنه يدخل عليهم أنهم يصلون في ذلك الوقت الصلاة الفائتة , والصلاة على الجنازة، حدثنا أحمد قال: سمعت المزني يقول: قال محمد بن إدريس: وأرى والله أعلم استدلالا بالسنة أن أصلي كل صلاة لزمت في كل وقت من الأوقات , وأستدل بالسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الصلاة في الأوقات التي نهى عنها فيما لا يلزمه , وأرى لأهل القرى الصغار التي لا إمام لهم , والبوادي والمسافرين أن يصلوا عند الكسوف مجتمعين ومتفرقين , وأرى ذلك لأهل الأمصار إذ لم يكن الإمام , إلى أن يدعوا ذلك تقية والصلاة في كسوف الشمس والقمر سواء , لا تختلفان , إلا أنه يجهر بالقراءة في الصلاة في كسوف القمر , ويخافت بها في كسوف الشمس , لاختلاف صلاة الليل والنهار في الجهر والمخافتة سمعت المزني قال: قال الشافعي رحمه الله: وإذا دخل في صلاة الكسوف كبر , ثم استفتح , ثم قرأ بأم القرآن , ثم قرأ بعدها نحوا من سورة البقرة , ثم ركع ركوعا طويلا يكون أكثر من نصف قيامه , ثم رفع فقرأ بأم الكتاب , وسورة تكون نحوا من مائتي آية , ثم ركع ركوعا أخف من ركوعه الأول , ثم سجد , ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك , إلا أنه يجعل القيامين فيها أخف من القيامين في الأولى , ثم يتشهد ويسلم , وإن سها فيها , فالسهو فيها كالسهو في صلاة غيرها , يسجد له قبل السلام , وإن انصرف قبل
[ص: 146]
تجلي الشمس أو القمر لم يكن عليه عندي أن يعود لصلاة أخرى , ولو عاد الناس منفردين فصلوا , كان أحب إلي , ولو كسفت الشمس فأبطأ عن الصلاة حتى انجلت كلها لم يكن عليه أن يصلي؛ لأنها صلاة في وقت , إذا زال لم تصل في غيره؛ لأن أصلها ليس بفرض , ولو تجلى أكثرها , وبقي منها شيء صلى , ولو دخل في الصلاة ثم تجلت من مكانها أو بعد ذلك مضى لصلاته؛ لأنه دخل فيها في وقت أمر أن يصلي فيه ويتمها كما كان يتمها لو لم تنجل , ولو كسفت فغابت الشمس وهي كاسفة , وقد فرط في الصلاة في النهار ولم يصل صلاة الكسوف للشمس في الليل , ويصليها في النهار ما كانت كاسفة , وهكذا القمر في كل ما وصفنا في الشمس من الصلاة. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مالك: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله , لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته , فإذا رأيتم ذلك , فاذكروا الله عز وجل» دليل على أن الصلاة في كسوف القمر كهي في كسوف الشمس؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بذكر الله عند كسوفها أمرا واحدا , وقد يذكر الله فيفزع إليه بنوع من أعمال البر , فلما فزع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة عند كسوف الشمس كان الذكر الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كسوف الشمس والقمر الذكر ليصلى لله عز وجل. وهذا يشبه معنى قول الله عز وجل: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 15] مع أن حديث سفيان يبين أنه أمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر , وأمره كفعله صلى الله عليه وسلم. فحديث ابن أبي تحيى يبين أنه صلى في كسوف القمر. وقد حضرت من فقهائنا من يصلي عند كسوف القمر ويأمر به الولاة , ويصلي معهم
[ص: 148]
سمعت أبا جعفر يقول: سمعت المزني يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: ولا أرى لازما أن يجمع صلاة عند شيء من الآيات غير الكسوف , وقد كانت آيات , ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة عند شيء منها , ولا من خلفائه عليهم السلام , وقد زلزلت الأرض في عهد عمر رضي الله عنه , فما علمناه صلى , وقد قام خطيبا , فحض على الصدقة , وأمر بالتوبة. وأنا أحب للناس أن يصلي كل رجل منهم منفردا عند الظلمة والزلزلة وشدة الريح والخسف وانتشار النجوم وغير ذلك من الآيات وقد روى البصريون أن ابن عباس صلى بهم في زلزلة , وإنما تركنا ذلك لما وصفنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بجمع الصلاة إلا عند الكسوف , وأنه لم يحفظ أن عمر عليه السلام صلى عند الزلزلة
Bog aan la aqoon