المقدمة
الحمد الله أجزل الحمد وأوفاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، رب كل شيء وخالقه ومولاه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خيرته من خلقه، كرّمه ربه واجتباه، وأنعم عليه بالنبوة وهداه، وهدى به من الضلالة، وبصَّر من العمى، بلَّغ الرسالة، وبه ختمت الرسالات، فلا نبي بعده ولا رسول، وكان ما جاء به من الحق والهدى، ختما لكل الأديان، فلا يسع بشرا على وجه الأرض إلا الإيمان به، والانضواء تحت رايته ولوائه، صلوات ربي وسلامه عليه، فقد قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (١)، فهذا كتاب الله ينطق بالحق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد رُوِيَ عن الخليفة الراشد على بن أبي طالب ﵁ أنه قال: أما أني قد سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ألا إنها ستكون فتنة» فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟، قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنتهي الجن إذ سمعته حتى قالوا: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ (٢) من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم» (٣).
وقد كرم الله عبده ورسوله نبينا محمد ﷺ بأن جعله لا ينطق عن الهوى، فقوله وفعله وتقريره حق وشرع متبع، منزل على الأحكام الخمسة، ولذلك قال ﷺ: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول: عليكم
_________
(١) الآية (٣) من سورة المائدة.
(٢) الآيتان (١، ٢) من سورة الجن.
(٣) أخرجه الترمذي، وقال غريب، إسناده مجهول.
قلت: لكن متنه لم يخالف العموم من الكتاب والسنة، وهو موافق للمعقول، وألفاظه جزلة وافية مقبولة، وقد تناقله العلماء.
1 / 4