فقال عيسى مصطنعا الدهشة: آسف جدا، من حضرتك؟!
فضحك ضحكة كأنها تقول: «أنت عارف وأنا عارف»، ثم قال: الخصم هو آخر من تنسى! - لا أفهم شيئا! - بل تذكر التحقيق الذي استمر حتى الصبح، واعتقالي بعد ذلك، حتى أنتم كنتم تعتقلون الأحرار ويا للأسف!
فقال عيسى بنبرة متقهقرة: لا أدري عما تتحدث بالضبط، ولكني أذكر أيام الحرب بلا شك كما أذكر ظروفها القاسية التي اضطرتنا كثيرا إلى ما نكره. - هذا هو الاعتذار التقليدي، ما علينا، ما فات فات.
ولم يعلق عيسى بكلمة ونظر إلى الأمام معلنا رغبته في الانفصال لعل الآخر يذهب أو يتركه في سلام، ولكنه عاد يقول برقة: وتغيرت الدنيا، لا تظنني شامتا، أبدا والله، بل إنني في كثير من الأحيان لا أخلو من عطف.
فقاطعه قائلا بشيء من الحدة: لست في حاجة إلى عطفك. - لا تغضب، ولا تسئ فهم تطفلي عليك، إنني أرغب مخلصا في تبادل الرأي. - عن أي شيء؟ - الدنيا من حولنا!
وشعر عيسى بأنه ما زال ثملا، ولكنه قال: لم يعد يهمني شيء.
فقال الشاب بدهشة: أما أنا ففي الطرف الآخر، كل شيء يهمني وأفكر في كل شيء. - فلتطب لك الدنيا كما تشاء! - أليس هذا بخير من الجلوس في الظلام تحت تمثال سعد زغلول؟! - هكذا هي تطيب لي فلا تشغل بالك بأمري. - أنت لم تقرر بعد أن تفتح قلبك لي. - ولم ذلك! ألا ترى أن الدنيا كلها مملة؟ - ليس عندي وقت للملل! - ماذا تفعل إذن؟ - أعابث المتاعب التي ألفتها وأنظر إلى الأمام بوجه مبتسم، بوجه مبتسم رغم كل شيء، حتى ظن بي البله. - وما الذي يدعوك إلى الابتسام؟
فقال الشاب بلهجة أكثر جدية: أحلام عجيبة، ما رأيك في أن نختار مكانا أنسب للحديث؟
فقال عيسى بسرعة: آسف، الحق أني شربت كأسين وأرغب في الراحة.
فقال الآخر بأسف: أنت تود أن تجلس في الظلام تحت تمثال سعد زغلول.
Bog aan la aqoon