وقال الإمام النووي في "تهذيب الأسماء [واللغات] " (١): اعلم أن لمعرفة أسماء الرجال وأحوالهم [وأقوالهم] ومراتبهم فوائد كثيرة: منها: معرفة مناقبهم وأحوالهم، فيتأدب بآدابهم ويقتبس المحاسن من آثارهم. ومنها: مراتبهم وأعصارهم، فينزلون منازلهم ولا يقصر العالي في الجلالة عن درجته ولا يُرفع غيره عن مرتبته. وقد قال الله تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ (٢). وثبت في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود -﵁- قال: قال رسول الله ﷺ: "ليَليني منكم أُولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يَلُونَهُم، ثلاثًا" (٣). ومنها أنهم أئمتنا وأسلافنا، كالوالدين [لنا] وأجدى (٢ / أ- ب) علينا في مصالح آخرتنا، فقبح (٤) بنا أن نجهلهم وأن نهمل معرفتهم. ومنها أن يكون العمل والترجيح بقول أعلمهم وأورعهم إذا تعارضت أقوالهم. ومنها بيان مصنَّفاتهم وما لها من الجلالة وعدمها والتنبيه على مراتبها وفي ذلك إرشاد للطالب إلى تحصيلها وتعريف له بما يعتمده منها وتحذيره مما يخاف الاغترار به وغير ذلك. انتهى والكتب المؤلَّفة فيه كثيرة جدًا (٥). قال الإمام الرافعي في "تاريخ قزوين" (٦): كتب التواريخ ضربان، ضرب تقع العناية فيه بذكر الملوك والسادات والحروب والغزوات ونبأ البلدان وفتوحها والحوادث العامة، كالأسعار والأمطار، [والصواعق والبوائق والنوازل والزلازل] وانتقال الدول وتبدل الملل والنحل وأحوال أكابر الناس في المواليد والتهاني والتعازي. وضرب يكون المقصد فيه بيان أحوال أهل العلم والقُضاة وفضلاء الرؤساء والولاة وأهل المقامات الشريفة والسِّيَر المحمودة، من أوقات ولادتهم ووفاتهم وطرف من مقالاتهم ورواياتهم وبهذا الضرب اهتمام علماء الحديث. انتهى.

(١) انظر "تهذيب الأسماء واللغات" (١/ ١٠ - ١١) وما بين الحاصرتين في النص مستدرك منه وقد نقل المؤلف عنه بتصرف. (٢) سورة يوسف: الآية (٧٦). (٣) رواه مسلم رقم (٤٣٢) (١٢٣) في الصلاة: باب تسوية الصفوف وإقامتها، من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ وتتمته: (وإياكم وهيشات الأسواق) وهيشات الأسواق: أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها. قاله الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (٢/ ٦٠٣). (٤) كذا في (م): "فقبح" وفي "تهذيب الأسماء واللغات" مصدر المؤلف "فيقبح". (٥) جاء في هامش (م) في هذا الموضع ما نصه: "من أراد أن يطلع على الكتب المؤلفة في الوفيات والطبقات وغيرها، فليرجع إلى تأليفنا المسمى بـ "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون". (٦) انظر "تاريخ قزوين" (١/ ٢) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف واختصار وما بين الحاصرتين في النص مستدرك منه.