اليه المركز الديني الأعلى ، وهو من عرفت مقامه وسموه ومميزاته. واذا تعذر علينا أن نفهم الامامة والكفاءة للخلافة ، من هذه القابليات الممتازة والمناقب الفضلى ، فأي علامة اخرى تنوب عنها أو تكفينا فهمها.
خرج عليه السلام الى الناس ، غير ناظر الى ما يكون من أمرهم معه ، ولكنه وقف على منبر أبيه ، ليؤبن أباه بعد الفاجعة الكبرى في مقتله صلوات الله وسلامه عليه.
فقال : « لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الاولون ، ولا يدركه الآخرون. لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه. ولقد كان يوجهه برايته ، فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه. ولقد توفي في الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران. ورفع بها عيسى بن مريم ، وانزل القرآن. وما خلف صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة درهم من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما لاهله (1)».
وتأبين الحسن هذا بأسلوبه الخطابي فريد لا عهد لنا بمثله ، لانه كما ترى لم يعرض الى ذكر المزايا المعروفة في الراحل العظيم ، كما هي العادة المتبعة في أمثال هذه المواقف ، ولا سيما في تأبين الرجال الذين احتوشوا الفضائل ، فكان لهم أفضل درجاتها ، ومرنوا على المكارم فاذا هم في القمة من ذرواتها ، علما وحلما وفصاحة وشجاعة وسماحة ونسبا وحسبا ونبلا ووفاء واباء ، كعلي الذي حير المادحين مدح علاه. فلماذا يعزف الحسن عليه السلام ، فيما يؤبنه به عن الطريقة المألوفة في تأبين العظماء؟. ترى أكانت الصدمة القوية في مصيبته به ، هي التي سدت عليه وهو الخطيب المصقع وابن أخطب العرب أبواب القول فيما ينبغي أن يقول ، أم أنه كان قد عمد الى هذا الاسلوب قاصدا ، فكان في اختيار
Bogga 56