أقول هذا. ولا اريد ان أتتاسى معه العوامل الاخرى التي شاركت « الاتجاه » الآنف الذكر في تكوين هذه المعارضة بموقفيها الايجابي المسلح والسلبي الخاذل تجاه العترة النبوية في العهد الهاشمي الكريم.
ولا أشك بان العدل الصارم ، والمساواة الدقيقة في التوزيع التي كانت طابع هذا العهد ، بل هي دون ريب طابع العهود الهاشمية مع القرن الاول ، في نبوتها وفي خلافتها. هي الاخرى التي تحسس منها الناس أو قسم من الناس ، بشيء من الضيق لا يتسع للطاعة المطلقة ولا للاخلاص الحر اللذين لن ينتفع بغيرهما في ميدان سلم أو ميدان حرب.
والظروف الطارئة بمقتضياتها الزمنية التي طلعت بها على الناس خزائن الممالك المهزومة في الفتوح ، والطعوم الجديدة من الحياة التي لا عهد لهؤلاء الناس بمثلها من قبل كل ذلك ، كان له أثره في خلق الحس المظلم الذي من شأنه ان يظل دائما في الجهة المعاكسة للنور.
وفي بحران هذا « الاتجاه الخاص » الذي تعاون على تكوينه ربع قرن من السنين ، يتمثل عهد علي عليه السلام في خلافته قبل بيعة الحسن في الكوفة.
والحسن من علي عليهما السلام كبير ولده ، وولي عهده ، وشريك سرائه وضرائه ، يحس بحسه ويألم بألمه. وهو اذ ذاك على صلة وثيقة بالدنيا التي أحاطت بابيه من قومه ومن رعيته ومن أعدائه ، فهو لا يجهلها ولا يغفل عنها ، وكان ينطوي مما يدور حوله على شجى مكتوم ، يشاركه فيه أخوه كما يشاركه في اخوته. وكان هذا الشجى المكتوم ، هو الشيء الظاهر مما خلف به هؤلاء المسلمون يومئذ نبيهم في عترته ، جوابا على قوله (ص) لهم : « فانظروا كيف تخلفوني فيهما!! ».
Bogga 47