Sufi: Asalkeeda iyo Taariikhdeeda
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Noocyada
النسق العام الثاني الذي سوف نناقشه يتعلق بازدياد انتقاد الفقهاء لأشكال معينة من الصوفية، وهذا الانتقاد إن كان يعود إلى حد كبير إلى التحاق الفقهاء بمناصب في الدولة، فإنه يعد أيضا انعكاسا ل «حملة تصحيح» أكبر لازمت بداية الألفية الإسلامية عام 1591. وعزز التأثير الثقافي لهذا الحدث الأخير ارتباطه بخطاب طويل الأمد، يحتفي ب «التجديد» الديني و«المجددين» الدينيين الذين يأتون مع مرور كل قرن ومع مرور الألفية بصفة خاصة.
3
بطبيعة الحال، كانت بداية هذه الألفية أكثر أهمية؛ من حيث الزمن الثقافي مقارنة بالزمن الطبيعي أو العملياتي الذي يهتم به المؤرخ. أما ما أكسب هذه الألفية الأهمية، فتمثل في أن القرن الذي أعقبها - أول قرن في الألفية الثانية بالزمن الثقافي الإسلامي - تزامن مع مجموعة تطورات في الزمن العملياتي الذي يهتم به المؤرخ. أثرت هذه التطورات على مناطق إسلامية مختلفة بطرق متعددة ومميزة، والتي شملت زيادة عدد السكان، التي غيرت العلاقات الديموغرافية بين المجموعات الاجتماعية المختلفة؛ وزيادة التحضر، الذي أدى إلى ازدياد التفاعل بين أهل الحضر والفلاحين والبدو؛ وتوسع التجارة، الذي مكن مجموعات التجار وأدى إلى تزايد التعاملات مع الشعوب غير المسلمة؛ والتغيرات البيئية الطبيعية أو البشرية الصنع؛ التي أسفرت عن عمليات هجرة واستيطان لمناطق جديدة، وفترة جديدة من المواجهات العسكرية مع كيانات وثنية ومسيحية في أوراسيا وأفريقيا، هذا بالإضافة إلى أمر آخر لا يقل أهمية على الإطلاق؛ ألا وهو تكوين دول إمبراطورية جديدة لها أجندات بيروقراطية جندت القادة الدينيين والخطابات الدينية في خدمة الحكم على نحو متزايد. كان لكل من هذه التطورات على صعيد التاريخ الاجتماعي أثره على تطورات أخرى على صعيد التاريخ الديني، مما جعل أفرادا معينين أو جماعات معينة من الصوفيين - الذين يعملون في نطاق متنوع من المناطق - يشعرون أن المسلمين من حولهم فقدوا مبادئهم الأخلاقية أو الروحانية الأساسية. وعلى الرغم من أن قدوم الألفية الإسلامية الجديدة لم يكن سلسا، وكان سيرها معقدا، فإن تزامن الزمن الثقافي للألفية الإسلامية الجديدة مع الزمن العملياتي للحداثة المبكرة كان له أهمية كبرى. وعلى الرغم من كون مصطلح «حملة تصحيح» مثيرا للجدل، فقد استخدمناه في هذا الفصل في محاولة لإدراك أهمية هذا التزامن العام والمتنوع الجوانب بين المسارين الزمنيين على الصعيدين العام والمقارن.
في معظم الأحيان، لم يعبر على نحو صريح عن حملة التصحيح التي رافقت التغيرات الاجتماعية المتعددة الجوانب التي حدثت في أوائل العصر الحديث، فيما يتعلق بالألفية الجديدة، بل عبر المطالبات العديدة بالتأمل الذاتي أو التجديد التي انطلقت من جنوب شرق آسيا وحتى غرب أفريقيا. ولم تحدث تلك الحملة في وقت واحد في كل المناطق، بل اعتمد توقيتها على عوامل محلية متعلقة بالتغيير الاجتماعي والتحرك الفردي. وعند استحضار الألفية على نحو صريح استخدمت أهميتها الدلالية لأهداف استراتيجية وبلاغية؛ سعيا لتحقيق أجندات معينة. وعلى الرغم من ذلك، يمكن استنتاج بعض الاتجاهات العامة. وفي كل المجالات تقريبا ، شهدت حملة التصحيح محاولات لتقليل تأثير الأفراد أو الحركات التي اعتبرت على نحو متزايد «متعارضة مع العقيدة الإسلامية الحنيفة» في نظر الدولة، لا سيما الحركات ذات الجاذبية، التي كانت قادرة على تأجيج التمردات ضد السلطة الحاكمة. وللأسباب نفسها، عندما كان حماس الفقهاء الزائد يهدد السلام الاجتماعي، لم تكن الدول في هذه الفترة أقل رغبة في قمع الفقهاء المنتقدين للصوفيين. وسواء أتعلق الأمر بالحركات ذات الجاذبية أم بالفقهاء، فقد تمثل النسق الأكبر في تزايد سيطرة الدولة على الساحة الدينية التي استحسنت أو استهجنت بالتبادل جماعات مختلفة صوفية أو مناهضة للصوفية في الفترات والأماكن المتنوعة التي سوف نتناولها في هذا الفصل. في العموم، ما سنراه في هذا الفصل هو تصوير للإمبراطوريات الإسلامية في أوائل العصر الحديث، والتي ربطت نفسها في البداية بأشكال الصوفية الجذابة في القرن السادس عشر، ثم تزايد ابتعادها عنها مناصرة للإسلام الأكثر التزاما بالشريعة (سواء الصوفي أو غيره) في القرن السابع عشر.
على الرغم من ذلك، إذا نظرنا إلى الجانب الآخر من «منظور الدولة» هذا، فسنتعلم الكثير من الأمور من المنظور الأصغر نطاقا، المتعلق بأفعال الجماعات الصوفية الصغيرة والأفراد الصوفيين. فبينما كانت الدول في أوائل العصر الحديث تلعب دورا أكثر تأثيرا في تاريخ الصوفيين مقارنة بالقرون السابقة، فهذا لا يعني أن الصوفيين كفوا عن كونهم عناصر فاعلة في صناعة تاريخهم. وإذا غيرنا المنظور كي ننظر إلى أنشطة الطرق الصوفية وحتى العائلات الصوفية (إذ يبدو من الممكن أننا نستطيع أيضا تمييز شخصيات صوفية باعتبارهم أفرادا وليسوا أنماطا في ذلك الزمن)، فإننا نستطيع أن نرى كيف تكيف الصوفيون مع الظروف الجديدة في فترة أوائل العصر الحديث. مرة أخرى، كان التناقض هو السمة السائدة؛ فمن ناحية، تواطأ الصوفيون مع الدول، وعملوا بإرادتهم ك «إمبرياليين» (وإن كان ذلك في الغالب على نحو غير رسمي) في خدمة الدولة، ومن ناحية أخرى استخدموا الفرص الوفيرة للغاية المتاحة لهم في هذه الفترة لتكوين نطاقات خاصة بهم ذات نفوذ يفوق نفوذ الدولة، بصفتهم نخبا متنقلة تتجاوز حدود الإقليم.
وأخيرا، في سياق تقلص الإمبراطوريات وانتشار الاضطرابات الاجتماعية منذ منتصف القرن الثامن عشر، سوف نتتبع في هذا الفصل ظهور سلسلة من الطرق الصوفية الفرعية الجديدة، التي سعت إلى فرض النظام على المجتمعات التي رأت أنها تنهار. وكان نجاح تلك الطرق الفرعية في فعل هذا في حد ذاته نتيجة للحركة المتزايدة في أوائل العصر الحديث، والشرعية المنتقلة من فترة العصور الوسطى للتقليد المستمر الذي زعم الصوفيون نقله، إلى القرن الثامن عشر المتسم بالاضطراب. مرة أخرى، فإن فكرة الصوفية كآلية «تقليد» قادرة على التكيف وإعادة إنتاج نفسها عبر الزمان والمكان، تساعدنا على فهم كيف كانت الصوفية ردا فعالا للغاية على انهيار أشكال التنظيم الاجتماعي اللوجستية والأيديولوجية الأخرى. (2) العلاقات المتناقضة بين الإمبراطوريات والطرق الصوفية فيما بين عامي 1400 و1600 تقريبا
في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر، سيطرت القبائل الرحل أو الاتحادات القبلية على تكوين الدول في معظم الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا. وكانت معظم هذه الجماعات القبلية لديها ارتباطات مميزة مع عائلات أو طرق صوفية معينة، وعلى الرغم من ذلك، كان ثمة اختلاف في نوع الصوفيين الذين اختار حكام تلك القبائل الارتباط بهم في فترات مختلفة من مسيرتهم؛ فمن خلال ارتباط الصوفيين بالمرحلتين اللتين كانت تمر بهما أي قبيلة تنجح في تكوين دولة، يمكننا تقسيمهم على نحو فضفاض إلى صوفيين «قبليين» وصوفيين «مستقرين». في الفصل الثاني، رأينا جلال الدين الرومي (المتوفى عام 1273)، الذي يعد أشهر مثال على «الصوفي المستقر» المتعلم والمثقف، الذي يلقى مناصرة من كيان قبلي في أثناء فترة استقراره؛ حيث بزغ نجمه بدعم من الأتراك السلاجقة بعد استقرارهم في عاصمتهم قونية. أما في هذا الفصل، فاهتمامنا منصب أكثر على «الصوفي القبلي» الذي ارتبط بالجيل التالي من القبائل، الذين كانوا لا يزالون في مرحلة البداوة. لقد قابلنا بالفعل هذا النوع من الصوفيين على نحو وجيز في الفصل الثاني، عندما ناقشنا كيف تمثل أحد جوانب إضفاء الطابع المحلي على الصوفية في ظهور أولياء ذوي شخصيات جذابة، كانوا يرتدون جلود وقرون الحيوانات، ويعملون على حماية عشائر أو قبائل بعينها. كان هذا الارتباط مناسبا؛ حيث تخصص كثير من هؤلاء الصوفيين في توظيف قدراتهم الخارقة للطبيعة لصالح متطلبات قبلية تقليدية؛ مثل اكتشاف مصادر المياه، أو التدخل في الصراعات المتعلقة بأراضي الرعي.
4
ونظرا لأن هذه القبائل الناجحة كانت ثرية بثرواتها المتنقلة المتمثلة في الماشية والعبيد وسبائك الذهب أو الفضة، فقد كانت هذه الارتباطات مفيدة للطرفين. وفي حالات عديدة، وجدنا هؤلاء القبليين يعطون البيعة لهؤلاء الحماة الصوفيين، الذين استطاعوا نتيجة لذلك الإطاحة بسلطة شيوخ القبائل. ونظرا لكون هذه العملية نتيجة للتركيب الاجتماعي الانفصالي للقبائل أكثر منها نتيجة لعمليات الجاذبية المستقلة، فإنها قد اكتسبت أهمية خاصة من خلال قدرتها على توحيد جماعات قبلية مختلفة تحت لواء قائد صوفي مشترك؛ إذ إن الصوفي، بصفته «غريبا» مولودا خارج الجماعات التي تنتسب لها القبائل، كان قادرا على توحيد أعضاء القبائل المختلفة المتنافسة بفاعلية أكبر، مقارنة بما يستطيع أن يفعله أي عضو ينتمي لأي منها. وحتى عندما لم يدخل الصوفيون القبليون في تلك التحالفات، فإن كثيرا منهم برزوا كقادة للجماعات القبلية البدوية، أو لمجتمعات المرتفعات شبه الرعوية التي سكنت السهوب والجبال فيما بين الأناضول وآسيا الوسطى.
من المهم أن ندرك العواقب التي لحقت بالحياة الاجتماعية لدين بهذه الخلفية القائمة على وحدات اجتماعية مقطعة ومستقلة؛ ذلك لأن في مثل هذه البيئات لم يكن يوجد شخص أو مؤسسة تتمتع بسلطة دينية مهيمنة، ولا أساس عقائدي مشترك، وفي كثير من الحالات لم تكن توجد وسيلة عامة للاطلاع على القرآن. ونظرا لأن كل جماعة قبلية امتلكت راعيا دينيا خاصا بها، فما ظهر وسط هذه المجتمعات المتناثرة والمتفرقة كان نظاما من اللاسلطوية الدينية، كان فيه ولي كل قبيلة هو مصدر السلطة. إذا كيف أصبحت المعتقدات والطرق الصوفية التي شهدنا تطورها في السابق جزءا من هذا السياق؟ يمكننا مرة أخرى أن نعثر على إجابة هذا السؤال في نموذج الصوفية باعتبارها «تقليدا»، والطرق الصوفية لا باعتبارها منظمات في الأساس، بل آليات لإعادة إنتاج التقليد وتوثيقه. وعلى الرغم من أن مفهوم التقليد يقدم محتواه في صورة المحتوى الذي لا يتغير (وهذا هو الهدف منه في واقع الأمر)، فإن اختصاصيي علم الاجتماع لطالما أدركوا أن التقليد في الحقيقة مورد يتسم بالمرونة الشديدة. وعند استخدام هذا النموذج في المجتمعات القبلية المتنقلة والمنقسمة الموجودة خارج المدن، فإن ما سيوضحه هو أنه على الرغم من أن الأولياء في القبائل اشتركوا في التقليد الصوفي فيما يتعلق باستخدام مصطلحاته، وتكييف طقوسه، ومنح الانتساب إلى طرقه؛ فلقد فعلوا ذلك على طريقتهم، وليس تحت قيادة شيخ يوجد في مكان آخر، وفعلوا ذلك بما يتفق مع احتياجات مناصريهم القبليين. وعلى أي حال، فإنه في مثل هذه البيئة «اللاسلطوية» لم يكن يوجد ما يمنع الصوفيين القبليين من تكوين أشكال من الصوفية متفردة خاصة بهم من مصادر التقليد التي ورثوها؛ نظرا لأنه لم يكن يوجد كيان صوفي يماثل «الفاتيكان» يضمن وجود تعاليم عقائدية عامة يلتزم الجميع بها.
Bog aan la aqoon