Sufi: Asalkeeda iyo Taariikhdeeda
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Noocyada
لم يكن العطار محظوظا للغاية؛ ففي وقت ما قرب عام 1220 اختفى الشاعر في مجزرة عظيمة لا يعرف فيها أسماء الضحايا، مثله مثل آلاف غيره من رفاقه القرويين في نيسابور. أما الرومي الصغير الذي قضى طفولته في بلدة فخش ثم بلدة بلخ في خراسان، فقد كان أوفر حظا، وكان والده العالم يتمتع بعلاقات مكنته من الحصول على منصب في عاصمة الأتراك السلاجقة الجديدة في أرض الروم أو الأناضول، التي منها اكتسب الرومي اسمه. وعندما ذبح المغول المنظر الصوفي صاحب رؤى النور و«مؤسس» الطريقة الكبروية نجم الدين الكبرى، هرب بعض أتباعه إلى الأناضول أيضا، وفي مدينة قيصري لخص تلميذه نجم الدين الرازي (المتوفى عام 1256) تعاليم شيخه في رسالة نثرية باللغة الفارسية، حملت عنوان «مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد».
118
أما بقية أتباع نجم الدين الكبرى، فهربوا إلى الهند، ونشروا التعاليم والطريقة التي تحمل اسمه لجمهور كان متحمسا لحكمة خراسان، التي أصبحت مشهورة في ذلك الوقت.
119
وهكذا، لم يضع المغول نهاية للصوفيين ولا لولعهم الجديد باللغة الفارسية. وكما رأينا، فعندما بدأ المغول اعتناق الإسلام منذ نهاية القرن الثالث عشر، أصبحوا أيضا مناصرين مثابرين للصوفيين ، مثل البدو السلاجقة السابقين الذين كانوا من قبلهم. إلا أنه في الفترة ما بين ظهور المغول في آفاق خراسان في عشرينيات القرن الثالث عشر، وتكيفهم مع الإسلام بعد دخول القائد المغولي محمود غازان خان في الإسلام عام 1295، أثاروا أزمة لاجئين عززت الشتات الخراساني الذي أدت عاداته وثقافته إلى تكوين صيغ إبداعية للغاية في أوطانهم الجديدة المتعددة. وهرب آلاف من الأشخاص سواء إلى الغرب حيث الأناضول، أو إلى الجنوب حيث الهند، فارين من خراسان التي نمت تقاليد الصوفية المميزة، وكانت رائدة الاستخدام الأدبي للغة الفارسية أيضا.
على الرغم من أن الفارسية كانت موجودة بالفعل في شمال الهند، فإن الدور الذي لعبته دلهي بوصفها «قبة الإسلام» الحارسة التي تحمي هؤلاء اللاجئين، جعلها تكون أدبا نثريا فارسيا ثريا يشبه كثيرا أدب خراسان. مرة أخرى، ليس من الحكمة اعتبار ذلك الأمر افتقارا للإبداع؛ فبقدر ما كان الإبداع مفهوما معروفا لدى الناس، فقد كان مكروها وكانوا يفضلون عليه التقليد، وإلى حد كبير اعتبر صوفيو الهند أتباع الطريقة الجشتية والطريقة الكبروية أنفسهم ورثة تقليدي خراسان اللذين تأسست فيهما هاتان الطريقتان المميزتان. على الرغم من ذلك، فقد دفع الهنود ورثة هذا الخروج الخراساني بالأنواع الأدبية التي ورثوها إلى اتجاهات جديدة، ونخص بالذكر منها توسيع نطاق الممارسة القديمة المتمثلة في اقتباس أقوال الشيوخ، لتصبح نوعا أدبيا جديدا تماما يقوم على «تدوين الحوارات»، وعرف هذا النوع باسم «الملفوظات». ومنذ عصر الصوفي الجشتي نظام الدين أولياء الذي أقام في دلهي (المتوفى عام 1325) فصاعدا، أصبحت الملفوظات تقنية ورقية لإعادة إنتاج الكلمات الحية الدقيقة للشيخ الملهم بعد وفاته بزمن طويل. ومع انتشار صوفيي سلطنة دلهي في جنوب وشرق الهند وأيضا شمالها، أصبحوا أيضا مروجين حكماء للغة الفارسية، ومنتجين متحمسين لأعمال مكتوبة بها. وعن طريق إلهام شعراء بلاط مثل أمير خسرو (المتوفى عام 1325)، نجح الصوفيون في تطويع الصيحات الأدبية في بلاط دلهي وفقا لأهدافهم، بطريقة ماثلت ما حدث في السابق في البلاطات الملكية في خراسان قبل غزو المغول.
120
وبهذه الوسيلة، وضعوا أساس مجموعة ثرية من الأعمال الأدبية تنوعت ما بين سير الأولياء والرسائل المتخصصة ومجموعات الخطابات المعروفة باسم «المكتوبات»، والتي أعادت إنتاج أنواع التعبير الصوفي الفارسي التي تشكلت في السابق في إيران وآسيا الوسطى في البيئة الجديدة.
121
على الرغم من أنه من الناحية الأدبية كانت الفترة السابقة على القرن الثاني عشر تنتمي في الأساس إلى اللغة العربية، وأن الفترة ما بين القرن الثاني عشر والقرن السادس عشر تنتمي في الأساس إلى العربية والفارسية، فإنه في مواقف معينة استخدمت في الكتابة والتأليف لغات أخرى. فإن كانت الفارسية قد استخدمت كلغة محلية في أجزاء كبيرة من آسيا الوسطى وإيران، وكانت مفهومة على نحو كبير بين أوساط المتعلمين أو المهاجرين في الأناضول والهند، فإنها في المنطقتين الأخيرتين لم تكن لغة محلية على الإطلاق. ومثلما استغرقت الفارسية عدة قرون لتثبت أهليتها كلغة أدبية خارجة من ظل اللغة العربية، استغرقت الأشكال المختلفة من اللغتين التركية والهندية/الأردية وقتا للخروج من ظل الفارسية. وعلى الرغم من أن المرحلة الثانية هذه من عملية إضفاء الطابع المحلي على الفكر الصوفي كانت قيد التنفيذ بالتأكيد منذ فترة العصور الوسطى، فإنها لم تكتمل إلا متأخرا في القرن السابع عشر. وحتى إذا لم يدون استخدام الصوفيين للغات الهندية والتركية إلا نادرا في هذه الفترة المبكرة، فإنه يوجد لدينا دليل كاف يسمح لنا برؤية أن أسلوب الصوفيين في نشر أفكارهم بلغات العوام قد بدأ بالفعل في التوسع من الفارسية إلى الهندية والتركية وحتى الملايوية. وبطبيعة الحال، احتاجت الفارسية إلى رعاية الحكام كي تستخدم في الكتابة، وفي النهاية سيكون السلاطين والدول - لا الصوفيون والفلاحون - هم المسئولون عن استخدام اللغتين التركية والهندية في الكتابة. على الرغم من ذلك، فإننا نمتلك أمثلة كافية على استخدام الصوفيين لهاتين اللغتين المحليتين الأقل مكانة، ليشيروا إلى استعدادهم لتبني أي لغة ضرورية للوصول إلى نطاق أكبر من الجمهور، وإن كانت عادة هذه الأمثلة متمثلة فقط في الأجزاء المضافة المقحمة في النصوص الفارسية. في أغلب الأحيان كان ينطوي الأمر على تسوية لغوية، وتمثلت تلك التسوية في أننا نجد الصوفيين، في كثير من الحالات، يدخلون في هذه اللغات الأخرى المصطلحات العربية الدالة على مفاهيمهم التي شهدنا تكونها كمصطلحات متخصصة للصوفيين في بغداد. كانت هذه التسوية انعكاسا لعلاقة تبادل النفوذ على صعيد الازدواجية اللغوية بين اللغة العربية واللغات المحلية الأخرى - بداية من الفارسية، ووصولا إلى الهندية والتركية والملايوية وغيرها في نهاية المطاف - التي حملت مصطلحات مؤسسي التقليد الصوفي، التي أصبحت تحظى بالتقدير في ذلك الوقت.
Bog aan la aqoon