Sufi: Asalkeeda iyo Taariikhdeeda
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Noocyada
ونظرا لأن المؤرخين قد اختلفوا حول وقت ظهور تلك «الطرق» ذات الطابع الرسمي (وربما حول ظهورها من الأساس)، فمن المفيد الانتباه إلى أننا نتناول في الأساس تكوين آليات إعادة إنتاج التقليد، ووفقا لأغراضنا على الأقل، فإن تلك الآليات الثقافية هي التي نشير إليها عند الحديث عن الطرق الصوفية؛ إذ على الرغم من أن بعض جوانب هذه الآليات كانت تنظيمية ومؤسسية على النحو الذي يوحي به عادة مصطلح الطريقة الصوفية، فإنها حازت على التمكين، وخضعت لتأثير عمليات التقليد غير الملموسة والأكثر تأثيرا في نهاية المطاف على أنها آلية مفاهيمية ورمزية؛ ومن ثم، يجب ألا نتوقع أن تكون الطرق الصوفية في تلك الفترة مؤلفة من منظمات معقدة ذات أعضاء رسميين وهرميات إدارية فعالة. وبينما كانت تلك الطرق بكل تأكيد أفضل تنظيما في بعض المناطق عن غيرها، فإن هذه الأنواع من التنظيمات الصوفية الأكثر تعقيدا كانت تنتمي في الغالب للإمبراطوريات البيروقراطية في فترة أوائل العصر الحديث، التي سأتناولها في الفصل الثالث. إن غياب هذا التعقيد لا يعني أننا لا نستطيع الحديث عن طرق صوفية على الإطلاق في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر، ولا يعني عدم حدوث تطورات تنظيمية في هذه السنوات؛ بل يعني أن السبب في تماسك أعضاء تلك الطرق عبر الأجيال والمسافات الفاصلة بينهم كان روابط ارتباط مفاهيمية بقدر ما كانت مادية. وفي فترة العصور الوسطى، عملت تلك الطرق بالأساس كمجتمعات تنظيمية على المستوى المحلي، أو على مستوى المنطقة التي كان للسلطة القانونية أو لسلطة الاتصال المباشر فيها فرصة نجاح واقعية. وعندما احتاجوا إلى تقليل المسافات الكبيرة الفاصلة، سواء زمنيا أو مكانيا، اضطروا إلى العمل إلى حد كبير كمجتمعات مفاهيمية كانت فيها التبعية قائمة على روابط الذاكرة والخيال على نحو يفوق الروابط البيروقراطية والاتصال المباشر.
ونظرا للمدى المحدود للجوانب التنظيمية لآليات إعادة إنتاج وتوحيد التقليد، تلك التي أطلقنا عليها طرقا، دعونا نتطرق إليها أولا.
28
شهدنا بالفعل تكوين رؤية رسمية جديدة للطريقة الصوفية في خراسان في أواخر القرن العاشر وفي القرن الحادي عشر، والتي منها انتشر كثير من سماتها غربا بسبب إدارة السلاطين السلاجقة والسلاطين الأيوبيين من ناحية، وبسبب حركة الأفراد الصوفيين من ناحية أخرى. في واقع الأمر، في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر، كانت المساكن والأضرحة - التي جمعت منها الطرق الصوفية أتباعها في المدن والقرى - وسيلة مؤسسية لنشر المذهب السني؛ إذ منحت الديمومة للسياسات الدينية للحكام السلاجقة والأيوبيين والمماليك، الذين سعوا من الأناضول حتى مصر لتثبيت فتوحاتهم في أراضي المسيحيين البيزنطيين والشيعة الفاطميين، من خلال رعاية مؤسسات دائمة وسنية على نحو واضح، كان من بينها المساكن الصوفية.
29
ما بدأ في خراسان باعتباره تحالفا مؤقتا بين السلاجقة البدو الحديثي العهد في السلطة، وبين طبقة صاعدة من علماء الصوفية؛ أصبح تحالفا دائما ومتكررا بين الدين والدولة، سيصل في النهاية إلى منطقة تمتد من شواطئ البحر المتوسط حتى غابات البنغال. وحتى مع انهيار الكيانات السياسية الواسعة النطاق مع ظهور السلطنات الإقليمية والاضطرابات المتكررة الناجمة عن غزوات البدو، كون النسيج المفاهيمي والتنظيمي للطرق الصوفية شبكة مميزة، ستسمح للرحالة أمثال ابن بطوطة الشمال أفريقي (المتوفى عام 1368) بالعثور على رفقاء يشبهونهم في التفكير، ومساكن مرحبة في بيئات مختلفة على نحو مذهل بين المغرب والهند.
30
ومن خلال الأدلة المعمارية المحدودة الباقية، يمكننا أن نعلم أنه بحلول القرن الثاني عشر كانت بعض هذه المساكن تشيد بالفعل على طراز فخم، كما نرى في التزيين الجصي الرائع الذي بقي على المسكن المهيب المسمى رباط علي بن كرماخ (المتوفى تقريبا عام 1180)، والموجود بالقرب من مدينة ملتان في دولة باكستان حاليا.
31
كانت عناصر هذه الصوفية القائمة على الطرق الأكثر رسمية متعددة، ولم يكن يعاد بالضرورة إنتاجها كلها معا. كانت أهم تلك العناصر هي «العقدة» (أي رابطة الولاء) بين الشيخ والمريد التي تعقد عن طريق القسم، وهي علاقة اكتسبت صفة رسمية في بعض الحالات، من خلال وجود ميثاق «قواعد» يتعين على المريد طاعتها. وقد ارتبطت سلطة الشيخ وقواعد المريد بإنشاء مجمعات سكنية معينة، أصبحت مع انتشارها في مناطق مختلفة تعرف بأسماء متعددة هي «الخانقاوات»، و«الرباطات»، و«الزوايا»، و«التكايا». وبدأ يظهر بين مريدي الشيوخ أو ساكني المساكن الصوفية في السابق إحساس بالهوية الجمعية، دعمته قواعد الرفقة الاجتماعية أو «الصحبة» وطقس الانضمام «البيعة». وحاز كل تطور من هذه التطورات بدوره على الإجازة من خلال ارتباطه بالتقليد، ذلك التقليد الذي كان فيه الماضي المتذكر من خلال النصوص المكتوبة والروايات المتناقلة دعامة للحاضر. ما نرى حدوثه هنا من خلال تأسيس الطرق في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، كان إلى حد ما ترسيخا وتوسيعا ل «نموذج نيسابور» للطريقة الصوفية، الذي رأيناه في الفصل الأول. وبوجه أكثر خصوصية، فإننا نشهد عملية «وسم» لنسخ متميزة من هذه الطريقة الأكثر رسوخا، وإعادة إنتاجها من خلال «كيانات» تحمل أسماء مؤسسيها المزعومين، وتوزيعها على «العملاء المناصرين».
Bog aan la aqoon