Sufi: Asalkeeda iyo Taariikhdeeda
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Noocyada
لقد رأينا بالفعل كيف أن دراسة القرآن والحديث كانت المنهج المؤسس للصوفيين الأوائل، وكيف أن الصوفيين مع مرور الوقت حرصوا على التوافق مع أعراف الإسلام السني الناشئة. وفي حين كان الاتجاه السائد هو البيئة الطبيعية للصوفية، كان المتمردون أمثال الحلاج الذي حكم عليه بالإعدام هم الاستثناء وليسوا القاعدة. لكن إذا كان الصوفيون نادرا ما يخالفون أعراف الفترة، فقد عجزوا عن أن يكونوا سلطات دينية مسيطرة في قرونهم الأولى، لكنهم تمكنوا من أن يصبحوا كذلك في مناطق متعددة في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والقرن السادس عشر. جزئيا، كان هذا ثمرة المزج الفكري والمؤسسي الذي شهدنا بدايته في القرن الحادي عشر، عندما تكون علم رسمي للصوفية إلى جانب المناهج الدراسية والمدارس التي ظهرت من خلال العقيدة الإسلامية الحنيفة التي دعمها الأتراك السلاجقة، وهي عملية تجسدها تعاليم الغزالي (المتوفى عام 1111) وحياته المهنية.
1
إن التوسع المستمر لنظام المدارس والخانقاوات ساعد بالتأكيد الصوفيين في القرون التي تلت القرن الثاني عشر، ليس فقط في الأراضي العديدة التي بسط عليها السلاجقة نفوذهم بين الأناضول وخراسان، بل أيضا كجزء من عملية «إحياء المذهب السني» المتعمدة في مصر وسوريا، بعد سقوط حكم الشيعة الإسماعيلية فيهما لصالح الحكم الأيوبي عام 1171.
2
وبينما ظل هذا الرابط بين الصوفيين والسلاطين والمؤسسات السنية عاملا مهما، فإن التوسع غير المسبوق للنفوذ الصوفي في القرون التالية يعود أيضا إلى حد كبير لحدوث تطورات جديدة. إن هذه التطورات - المتمثلة في التنويع وإنشاء المؤسسات، واكتساب القداسة، وإضفاء الطابع المحلي على تعاليم الصوفية - هي التي يركز عليها هذا الفصل من أجل أن نفهم السبب وراء هذا العدد المتزايد من الأشخاص والأماكن، المنضم تحت لواء الإسلام الصوفي، في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والقرن السادس عشر. ونظرا لأن المؤرخين رأوا في السابق أن هذه الفترة كانت فترة «انحطاط» صوفي، كان فيها التصوف الحقيقي قربانا على مذابح الولاية، فمن المهم أن ندرك علاقة كل عملية من هذه العمليات بما حدث قبلها. لقد كانت مؤسسات الطرق الصوفية الأكثر رسمية، ومعتقدات الولاية الأكثر تعقيدا التي ميزت هذه الفترة الثانية؛ تعتبر في السابق أعراض انحدار روحاني، إلا أننا عندما نرى علاقتها بالأفكار والممارسات التي كونها الصوفيون قبل القرن الثاني عشر، سوف نستطيع أن نرى كيف نشأت التطورات الجديدة عن استخدام الصوفيين المتأخرين لمصادر تقليدهم، أثناء محاولتهم الجاهدة فهم الظروف الاجتماعية الجديدة التي كانوا يعملون في ظلها والاستفادة منها.
قبل الالتفات إلى هذه التطورات، من المهم التأكيد على مدى الاختلاف بين الظروف القديمة والظروف الجديدة؛ فلقد رأينا بالفعل كيف أن الأتراك السلاجقة في منتصف القرن الحادي عشر اكتسحوا غربا في سلسلة من الغزوات امتدت من آسيا الوسطى حتى الأناضول. وكما هو الحال مع الكثير من الأسر الحاكمة التركية في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر؛ فقد دخل السلاجقة البدو في الأصل في تحالف مع طبقة علماء المسلمين المستقرة، الذين عملوا موظفين في إدارة الدولة، فحموا وناصروا في النهاية الأسس الشرعية والعلمية للحياة الإسلامية الحضرية. لم ينطبق الأمر نفسه على المجموعة البدوية الرئيسية التالية التي توسعت غربا؛ ففي عهد جنكيز خان وأبنائه، ما بين عشرينيات وستينيات القرن الثالث عشر، دمرت فعليا الجيوش المغولية الشامانية كثيرا من مدن خراسان (بما فيها نيسابور)، وغزت بغداد في نهاية المطاف؛ حيث وضعوا نهاية لنظام الخلافة الذي كان قد منح القيادة الرمزية على الأقل للمجتمع الإسلامي منذ وفاة النبي محمد. وقد تجاوز الشعور بما خلفته غزوات المغول من رعب ودمار المناطق التي تعرضت لهذا التأثير مباشرة؛ ففي كل من الحدود الغربية والشرقية للتوسع المغولي، استحوذ الجنود العبيد المعروفون باسم المماليك - الذين كانوا مكلفين بحماية سلاطينهم - على سوريا ومصر والهند. واستقبل الشرق والغرب على حد سواء تدفقات هائلة من اللاجئين، كان من بينهم الكثير من عائلات العلماء والصوفيين.
وحتى في الوقت الذي دمر فيه جزء كبير من مهد الصوفية في العراق وخراسان، كانت توجد فرص جديدة. إن رغبة الحكام المماليك في إثبات شرعيتهم الدينية جعلتهم يرعون الكثير من المساكن الصوفية الجديدة في المدن، أو يمنحون الأراضي في الريف، في حين زاد تدفق اللاجئين من سرعة انتشار التعاليم الصوفية. وقد استغرق الحكام المغول الجدد للأراضي الإسلامية الوسطى قرابة قرن حتى يدخلوا في الإسلام، وعندما اعتنقوه وجدوا في الصوفيين حماة وشيوخا لهم. وإذا كانت قرون الاضطراب تلك قد أسفرت عن مجتمعات مختلفة جدا عن تلك التي ظهرت فيها الصوفية لأول مرة، فإنها أتاحت أيضا فرصا للصوفيين لربط أنفسهم بنطاقات من المؤيدين أكبر من أي وقت مضى؛ فكسبوا قلوب وأموال الحكام البدويين «الخانات»، وأيضا سكان الحضر والفلاحين الذين حكموهم؛ فقد وصل الصوفيون من خلال تنويع معتقدهم، وإضفاء الطابع المحلي على تعاليمهم، وتكوين الطرق والطوائف، وتبجيل الأولياء؛ إلى نقطة أصبح فيها الإسلام فعليا لا يمكن فصله عن رموزهم وأفكارهم ومؤسساتهم. (2) تنويع المعتقد الصوفي
النجاح يولد نجاحا، وما حققه الصوفيون بحلول القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من مكانة راسخة، شجع عددا أكبر من المسلمين على ترديد أفكارهم الدينية؛ باستخدام المصطلحات المحترمة التي ابتكروها على مدار القرون السابقة. وقد أصبحت الصوفية الآن في حد ذاتها تقليدا له نسب يعود إلى زمن النبي محمد، في حين عززت علاقات كثير من ممثليها البارزين بالطبقة الحاكمة تأثيرهم في الوقت الحاضر ودورهم في تشكيل مستقبل مجتمعاتهم. إن المكانة الراسخة التي وصلوا إليها لا تعني أن حركتهم استنفدت طاقة استمراريتها، بل يمكن أن نرى أن الاحترام الذي اكتسبه الصوفيون في الفترة الأولى قد أتاح عملية التنويع التي نراها في القرون ما بين القرن الثاني عشر والقرن الرابع عشر. وبالنسبة إلى الصوفيين، كانت هذه القرون ذات إنتاج نصي هائل، ليس فقط بسبب وجود عدد أكبر من الصوفيين، بل لأنهم كانوا يوسعون أيضا نطاقهم الأدبي خارج حدود الكتابة باللغة العربية. كانت مجموعة الأفكار المتنوعة التي استعرضت في هذه الفترة مذهلة في حد ذاتها، فضلا عن الردود والاستجابات، والتأملات والتعليقات التي أثارها كل عمل من هذه الأعمال البارزة. ولفهم ما كان جديدا وسط هذا العدد الهائل من المؤلفات، سوف نلقي نظرة على الطريقة التي تنوع من خلالها إرث القرون الأولى، من خلال فحص موضوعات أساسية مثل النور والوجود والولاية، بالإضافة إلى الشخصيات الأساسية التي ارتبطت بها. لقد أصبحت هذه الموضوعات والمعتقدات، والنصوص التي فصلت فيها، مواد مهمة في الترسيخ الخطابي للتقليد الصوفي.
شكل 2-1: تنويع المعتقد: مخطوطة من العصور الوسطى لكتاب «المشارع والمطارحات» ليحيى السهروردي (المتوفى عام 1191) (تصوير: حسين ضيائي، بإذن من مكتبة جامعة لايدن).
كان «النور» أول هذه الموضوعات؛ وكما رأينا في الفصل الأول، كان النور بالفعل موضع نقاش بين الصوفيين أمثال التستري والغزالي، أما في كتابات شهاب الدين السهروردي (المتوفى عام 1191)، فقد خضعت الأفكار السابقة للتنظيم والمراجعة، وقدمت في صورة رؤية فلسفية متماسكة كان النور فيها أساسا لعلم الوجود وعلم المعرفة؛ فكل شيء في الكون موجود على هيئة نور، وكل عمل معرفي يعد تعبيرا عن النور.
Bog aan la aqoon