Sufi: Asalkeeda iyo Taariikhdeeda
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Noocyada
5
يبدو أن هذا الدليل ينقض الارتباط بين المعنى الإسلامي والمعنى المسيحي المزعوم لكلمة «صوفي»، بحيث يشير إلى أنه في سياقات الاستخدام المختلفة كانت «الأمور» التي تشير إليها الكلمة مختلفة تماما. إلا أن المشكلة في هذا الصدد أيضا تتمثل في أنه على الرغم من أن هذه التعريفات الثمانية والسبعين منسوبة إلى شخصيات في أوائل القرن التاسع، فإنها ظلت فقط باعتبارها اقتباسات في المصادر المتأخرة. مرة أخرى، نواجه مشكلة تتمثل في أننا كلما أوغلنا في الفترة السابقة على الانتشار الكبير للأعمال المكتوبة في القرن التاسع، أصبحت المصادر إما غير مباشرة وإما غير موجودة على الإطلاق؛ ومن ثم لا يصبح لدينا إلا اقتباسات متأخرة من شخصيات قديمة، أو تخمينات افتراضية للأنماط الكلامية القديمة.
ثانيا: إذا نظرنا إلى ما وراء موضوع اللغة، فإننا سنجد المسألة الأكثر جوهرية المتمثلة فيما إذا كان يوجد اقتباس من جانب المسلمين للممارسات المسيحية إلى جانب المفردات المسيحية، بالإضافة إلى المسألة الفرعية المتمثلة فيما إذا كان هذا الاقتباس قد شكل الأنشطة الفعلية لهؤلاء المسلمين الذين سيطلق عليهم اسم «صوفيين» في القرن التاسع. في هذا الصدد، من المفيد العودة إلى نموذج المصطلحات السيميائية واللغوية في بعض الحالات التي اشترك فيها المسلمون والمسيحيون، وليس النموذج الذي امتلكه كل منهم على نحو حصري. ومن المهم أيضا هنا أن نأخذ في اعتبارنا السياق؛ ففي القرون الأولى من التاريخ الإسلامي كان عدد المسيحيين في البيئات التي عاش فيها المسلمون في مناطق مثل سوريا والعراق ومصر يفوق عدد المسلمين. كان الهلال الخصيب في منطقة الشرق الأوسط، الذي كان مسيحي الطابع حتى أكثر من أوروبا الغربية في ذلك الوقت، ساحة تعج بالكنائس والأديرة وأضرحة القديسين. لم تنل هذه المواقع وقاطنوها الحماية القانونية للإمبراطوريات الإسلامية الجديدة فحسب، بل استوعبها أيضا الحكام المسلمون بعدة طرق مختلفة؛ فقد اعتبرت أضرحة الأنبياء والقديسين المسيحيين مزارات دينية للمسلمين، وأصبحت الأديرة بالنسبة إلى المسلمين أندية تقدم الخمر، ويتجمع فيها الشعراء، ومكتبات للمثقفين المهتمين بالأدب، وساعد الباحثون المسيحيون في ترجمة التراث الفكري اليوناني والروماني إلى العربية، الذي حفظه على نحو انتقائي الأسلاف المسيحيون.
6
وهكذا، لا يوجد أي شك في أنه كان هناك تنوع في أشكال تفاعل المسلمين مع المسيحيين، على الأقل حتى عام 850 تقريبا.
لطالما اعتبر أن لبس الصوف يشير إلى أوجه الشبه مع الممارسات الزهدية لمسيحيي الشرق، خاصة في سوريا؛ حيث كانت عاصمة المسلمين في دمشق في الفترة ما بين عامي 661 و750، قبل أن تنتقل إلى العراق بقيام الدولة العباسية. وكرد فعل على نزعات البحث عن أصول الصوفيين في الفكر الهندي التي ظهرت في القرن التاسع عشر، كشف الباحثون في ثلاثينيات القرن العشرين عن أدلة تفصيلية عن أوجه التشابه بين «الزهاد» المسيحيين والمسلمين؛ وقيل إن هذا التراث الزهدي المشترك مهد الطريق لتحول الصوفيين إلى «زهاد» ناضجين مهتمين بالتجربة والمعرفة بدلا من تعذيب الجسد.
7
إن هذا الوضع للمسلمين الأوائل في سياقاتهم التعددية رأيناه أيضا في الاتجاه الحديث الساعي إلى رؤية كل من التطورات المسيحية والإسلامية القديمة في إطار بيئتهما الاجتماعية المشتركة. وتمثلت هذه الطريقة في أبسط صورها في وضع الأدلة الخاصة بالأنشطة المسيحية والإسلامية جنبا إلى جنب، والإشارة إلى أوجه التشابه وأدلة التفاعل المباشر بينهما كلما أمكن، واستخدام ذلك كأدلة على تأثير المسيحيين على المسلمين، بالإشارة إلى أوجه التشابه من أمثال أنماط الصلاة، والأقوال والتوجهات، بالإضافة إلى الملابس.
8
إلا أن الجدل حول الأصول يتحرك في هذا الصدد في اتجاهين يجب الفصل بعناية بين نتائجهما المختلفة. بالنسبة إلى الباحثين الذين كتبوا في ثلاثينيات القرن العشرين، في الحالتين الإسلامية والمسيحية على حد سواء، كان الانعزال وتعذيب الجسد الخاصان بحياة الزهد مهدا طبيعيا (وعالميا في واقع الأمر) لتطور «التصوف». كان التصوف بدوره يعتبر حاجة عالمية تهدف إلى «معرفة الحقيقة المطلقة، وفي النهاية تكوين علاقة واعية مع الحق تتوحد من خلالها الروح مع الله.»
Bog aan la aqoon