Suudaan Masri
السودان المصري ومطامع السياسة البريطانية
Noocyada
ولا مندوحة لنا عن كلمة في خزان مكوار الذي ينشئونه الآن لري 300 ألف فدان في الجزيرة، فهذا الخزان يقوم بمهمتين: الأولى: خزن 500 مليون متر مكعب من الماء، والثانية: رفع الماء على مثال القناطر في مصر حتى تروي الجزيرة بالراحة، ولولا زرع القطن في الجزيرة لما قام الإشكال العظيم التعقيد بشأن المياه؛ لأن مشروعات السودان شتوية وتنتهي في شهر يناير، ولكن القطن في السودان يحتاج إلى الماء في شهري فبراير ومارس، أي حين حاجة مصر إلى الماء، وقد كان المهندسون المصريون وأخصهم محمود باشا فهمي يرون أن الغلال التي تنمو بأرض السودان تأتي بحاصلات للسودانيين فوق حاصلات القطن فلو أن لمراعاة مصلحة السكان دخلا في ذلك لكان الأفضل للسودانيين أن يزرعوا جميع المزروعات ما عدا القطن، ولما قام النزاع بين مصر والسودان على الماء، وهذا القول يقوله السير مكدونالد في موضوع الري، ولكن المسألة ليست مسألة مصلحة السكان ولكنها مصلحة معامل لانكشير التي أخذت أمريكا تحبس عنها قطنها، فوجهت الحكومة الإنكليزية وجهها شطر السودان ووجهت عنايتها لاحتكار ثلاثة ملايين فدان في الجزيرة حتى إنهم قالوا في مجلس نواب إنكلترا بتحديد سعر القطن السوداني، وبمنع تصديره إلى غير إنكلترا؛ لذلك أخذوا أملاك الجزيرة من الأهالي، وأنشأوا خزان مكوار لري 300 ألف فدان، ثم باشروا وضع الرسوم لخزان آخر في أعالي النيل الأزرق لخزن سبعة مليارات متر مكعب منها أربعة مليارات دائمة حتى إذا ما كان النيل واطئا استخدمت هذه الكمية من الماء للري، ولا ينقذ مصر من الشرق إلا إقامة السدود في بحيرة ألبرت وإنشاء الخزانات على النيل الأبيض إلخ إلخ، وقد أظهر الإنكليز سرعة وعجلة عجيبتين في إنشاء خزان مكوار الذي ينتهي في سنة 1925 أي في العام المقبل أما الخزان الكبير على النيل الأزرق فإنه ينتهي في سنة 1930، وقد قدروا مذ الآن نفقته بمليون ونصف مليون جنيه.
هكذا يفعلون، وهكذا تهدد مصر بقلة الماء والخصوبة، وهم يقولون كما ورد في تقويم «ضبط النيل» إن حاجة مصر إلى المياه بعد إنجاز هذه الأعمال ستكون كبيرة جدا، حتى إنه لا يفي بهذه الحاجة إلا بتحويل بحيرة ألبرت إلى خزان لمصر، ومساحة هذه البحيرة 5500 كيلو متر مربع، فإذا ارتفعت حافتها مترا واحدا خزنت خمسة مليارات ونصف مليار متر مكعب، فإذا ما أقيم سد على فوهة البحيرة بلغ المخزون 40 مليار متر مكعب.
تلك أقوالهم، ولكنها حتى الآن تقديرية يفندها كثير من المهندسين ولا يسلمون بهذا الحساب، وعلى رأس هؤلاء جميعا السير ويلكوكس، أما المهندسون المصريون فهم لا يسلمون بأنه يصل إلى أسوان من وراء نهر بحيرة ألبرت 52 مليار متر مكعب، كما لا يسلمون بأن الماء الذي يمر بخزان أسوان إذا كان النيل واطئا كنيل 1913 واحدا وأربعين مليارا، فإذا تركنا هذا الموضوع جانبا لأنه لم يدرس الدرس الكافي حتى الآن بقي أمامنا أمر واحد ثابت لا يجادل به أحد، ويعترف به جهارا علانية أصحاب مشروع ري الجزيرة، وهو أن مصر لا تجد الآن وفي الحالة الحاضرة عن النيل الأزرق بديلا.
وهذا ما يقضي على الذين يتحملون تبعة شئون الدولة المصرية تدبر الأمر ورفع الضرر.
ولما ظهرت مشروعات ري الجزيرة إلى حيز الوجود، وأعلن عنها الإنكليز، وبين المهندسون المصريون وبعض المهندسين الإنكليز ضررها وشدة خطرها - احتجت على ذلك مجالس المديريات، واحتج أعضاء الجمعية التشريعية الذين اجتمعوا في 19 مارس 1920 وطلبوا إيقاف الأعمال إلى أن يفصل بالأمر، وقرروا إعلان استقلال مصر والسودان، وهذا ما جاء في قرار الجمعية:
تحتج الجمعية التشريعية على البدء في مشروعات ري السودان، وتطلب وقف هذه المشروعات وقفا تاما حتى يبت في المسألة المصرية، ويعرض الأمر على الهيئة النيابية التي تمثل البلاد بجميع أجزائها، وذلك للأسباب الآتية:
أولا:
لأن مصر والسودان كل لا يقبل التجزئة، وكل مشروع يتعلق بهما لا يجوز تنفيذه قبل أن توافق الأمة عليه.
ثانيا:
لأن هذه المشروعات لم تلاحظ فيها مصلحة السودان منفردا ولا مصلحة مصر ولا مصلحة الاثنين معا، وقد قامت عليها اعتراضات فنية واقتصادية وسياسية وصحية من كثيرين ومنهم رجال من الإنجليز ذوو المكانة الذين أثبتوا بأن هذه المشروعات ضارة بالبلاد، وأنه لم يقصد بها سوى مصلحة الأجنبي وفائدة أصحاب رءوس الأموال والشركات من الإنجليز.
Bog aan la aqoon