وذا الجد فيه نلت أم لم أنل جد
كما قال أيضا:
هو الجد حتى تفضل العين أختها
وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
لا بد أن تتساءل: وكيف تفضل العين أختها؟ وكيف يكون اليوم سيدا في الأيام؟ اسمع أقل لك؛ يسود اليوم إذا وقع فيه حادث خطير وأصبح عيدا، فيصير الأربعاء مثلا سيد الخميس أفلا يوجد سادة إلا في البشر؟ إن لكل شيء سادة حتى النمل كما روى الجاحظ. أما كيف تفضل العين أختها فهذا يقع كثيرا، كأن يكون الرجل مارا فتصيبه ضربة تذهب بإحدى كريمتيه فتفضل السليمة أختها المصابة، وهذا عمل الحظ عند المتنبي. قضى المتنبي حياته القصيرة يطاعن خيلا من فوارسها الدهر، وهو يرى أن الدهر والحظ متحالفان على قهره، وقد بلغ هذا الاعتقاد الأوج حين قصد مصر وتمثل له شخص كافور، فغضب على الدهر تلك الغضبة الكبرى، رأى الحظ يجعل من العبد كافور سيدا صاحب حول وطول يقهر القاهرة، ويضرب من الكنانة بأسهم، فصرخ:
هل من فتى يورد الهندي هامته
كيما تزول شكوك الناس والتهم؟
لم يشبع المتنبي ما ناله من مجد أدبي فظل يشكو وهذا شأن البشر، فما أقل الذين يرضون بقسمتهم ونصيبهم! كل واحد يرى أنه مظلوم من دنياه، فلا تسمع على الألسنة إلا سب الدهر وابنه الحظ، فكل من يقصر يجعل خطيئته في رقبة الدهر الذي لم يسلمه رسن الحظ ...
إذا قصر أحدنا تأفف وقال: «حظ.» وإذا سعى وراء مطلب وخاب يقول: «حظ.» حتى إذا ضربت له موعدا وفاته لأنه أبطأ وتكاسل يقول: «حظ»! فتأمل يا صاحبي كم في ذمة الدهر والحظ من ضحايا! لقد قل في الناس من رضي بحظه، فالبحتري الذي قطع درب الرزق على ابن الرومي حتى استأثر بجميع الجوائز، لم يقنع بكل ما أصاب من الخلفاء فراح يقول لنا في سينيته المشهورة بعدما شبع مالا واعتبارا:
أتسلى عن الحظوظ وآسى
Bog aan la aqoon