139

Subul Wa Manahij

سبل ومناهج

Noocyada

إن البراعة في العلوم والنظريات قد يخفق صاحبها كثيرا، وأما الدهاء إذا اقترن بالموهبة الفطرية فقلما يخفق، البراعة قوة والدهاء فطنة وحيلة، ومهما كانت قوتك فإنك لا تستطيع اقتلاع صخر كبير، أما التجاؤك إلى «المخل» فيهون عليك اقتلاع ما هو أضخم منه وأكبر.

أريد أن أقول إن الدهاء في تصرفاتنا الاجتماعية يشبه هذا النوع من علوم الفيزياء، فرأي جيد يحط عن منكبيك جميع الأثقال التي لا تستطيع قوتك وعملك النهوض بها مهما كانت.

إن البراعة والذكاء شيء معين، أما الفطنة وجودة الرأي فكل شيء، وليس الدهاء بحاسة سادسة كما يقولون، ولكنه الحواس كلها مجتمعة، بل هو ملاك هذه الحواس جميعا.

لا تعتمد على ما قرأت وتقرأ من نظريات وعلوم في الكتب، واعلم أن الكثيرين من العلماء والفلاسفة العظام لا يحسنون التصرف في الحياة، فاعتمد أنت على الرأي والفطنة فهما مصباحا الحياة، وإذا سرت على ضوئهما أمنت العثار، وحزت ثقة من تعاونهم إن كنت تعمل عند غيرك. إن رب العمل يتطلع دائما بالنظارة المكبرة إلى عماله، فهو يغربلهم وينخلهم في كل آونة، ويفتش دائما لتقع عينه على من يستطيع أن يحمل عنه أعباء التدبير التي تثقل ظهره.

ليتك تريه دهاءك وحصافتك لتكون العضادة التي يعتمد عليها بنيانه، أما إذا لم تكن مع ما منحت من طول وعرض غير آلة تدار، فاعلم أن مصيرك كمصيرها! هل سمعت أن آلة ارتقت؟

إذن أنت يا صديقي تجاه أمرين لا ثالث لهما: فإما أن تكون داهية فتدير، أو بليدا فتدار، فتدبر أمرك واختر لنفسك ما يحلو.

إن المجد مبتدر

هذا ما قاله جرير حين نقض رائية قرنه الأخطل، وكثيرا ما كنا نسمع في الحرب الأخيرة قول الفئتين المتحاربتين : «قد استولينا على المبادرة.» فما هي المبادرة؟ وأية فائدة تجتنى منها؟

إن من يقتل الوقت بين إحجام وإقدام يقدم رجلا ويؤخر أخرى، يظل حيث هو في غمرة طريق الحياة؛ إذ ليس في ساعة الزمان الكبرى إلا دقيقة واحدة اسمها «الآن»، أما «غدا» فقد حدده الشاعر العربي بقوله:

ترجو غدا وغدا كحاملة

Bog aan la aqoon