أصبحت المدارس لتخاذلها ولتنافسها ولسقوط سلطة الآباء عن بنيهم تراعي طلابها، فانفرج بركار الحرية المدرسية عن دائرة واسعة خطرة، بات النظام مهددا وخرج الشبان أقرب إلى الفوضى منهم إلى النظام، ولم يتأصل فيهم شيء من العادات القومية؛ لأنهم مسوقون بسياط التقليد.
العادة تكون الأخلاق التي يحتاج إليها المواطن، والمدرسة عاجزة عن توطيد هذه الأخلاق في معظم الدول العريقة في القدم، فكيف تطلبها من مدارسنا البابلية؟
بالتكرار تستقر فينا الأخلاق التي تحتاج إليها الأمة، ومدارسنا تريد ذلك ولا تقدر عليه لتباين أهدافها وتنوع أغراضها ومراميها، إنها تعلم ولكنها لا تربي الخلق القومي الذي لا وطن بدونه. هذا الخلق لا يستقر في أبنائنا إن لم يصبح من عاداتهم الراسخة، والعادة لا ترسخ وتصبح خلقا إلا بالتكرار؛ ولذلك قالوا: «من شب على شيء شاب عليه.» العادة تكون الرجل تكوينا يقتضيه الزمان والمكان، ومدارسنا جميعها عاجزة عنه؛ لأن لكل مدرسة منها نزعة وغرضا.
فلا رجاء لنا ولا أمل إلا بالجندية الواجب فرضها على كل مواطن؛ ليخلق فينا بالتكرار والعادة ما يسميه علماء الأخلاق ب «الوازع الباطني»، إن الوازع الباطني مفقود عندنا، ولا أثر له في أكثر شخصياتنا المنحلة، كلنا يرجو الثواب، كلنا يأبى الدنية - إن أباها - لا لأنها دنية بل لمآرب أخرى، فالمأمور لا يتم عمله إلا خوفا من أن يتقلقل تحته كرسيه أو خوفا من الفضيحة، أما إباء العار لأنه عار فلا بد له من وازع باطني نام في الصدور. «نظام عسكري»، كلمة كثيرا ما سمعتها من إخواني القرويين إذا وصفوا رجلا دقيقا مثابرا على عمله، لا يتوانى ولا يتكاسل، ولا يتأخر ولا يبطئ؛ أثنوا على عمله وهمته قائلين: نظام عسكري.
أجل، إن المدرب العسكري هو المربي الأكبر لا نحن، والثكنة العسكرية هي مدرسة الوطن، عند عتبتها ينسى الطالب ملته، وتحت سقفها يصافح ابن بلده غير ناظر إلى ملته ودينه.
لا وطن بلا حدود، وحدود الوطن وتخومه الصحيحة مخيم جنوده.
وهنا يطيب لي أن أوجه إلى الجندي اللبناني الذي له في نفسي أسمى الاحترام:
إن يدك الكلة يا أخي الجندي لنقية شريفة طاهرة، فلا تمدها إلى مواطنيك إلا مضطرا.
إن ثوبك الخشن لأرخم من البرفير والأرجوان، فاحفظه من الوسخ والتلطيخ، لست أعني لطخات الزيت والدهن، بل الذي لا يمحوه الغسل فافهم عني.
إن سيفك مغمد إلى حين، فلا تدعه يصدأ.
Bog aan la aqoon