والسيرة إذ تتصل بالنبي ﷺ ويقوم درسها على صحيح الثقة تباين منهج التاريخ ولما يتوافر لها من أسباب الحيطة والتوثيق لما تهيأ لمصادرهما من النقل الصحيح.
ولا شك أن للصحابة دورا رائدا في حقل سيرة الرسول ﷺ وهم على بصيرة بما ينقلون كما شهد لهم القرآن الكريم في قوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانًا سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الفتح ٢٩) .
وما نبه إليه من احترامهم وتوقيرهم وتجنب سبهم في
«لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»
وذلك مما يوقع مفارقة هائلة بين السيرة والتاريخ لاختلاف النزعات في تناول أحداث التاريخ وتغير ظواهره ومن بين تلك النزعات نزعة التفسير المادي للتاريخ تلك التي سيطرت على أفكار دعاة الشيوعية..
من أصل كل ذلك كانت دراسة السيرة على هذا الوجه الجامع من خيرة أعمال الأئمة.
وهذا الكتاب الجامع لسيرة النبي ﷺ يبين للقارئ جوانب عدة من حياة الرسول ﷺ يحسن عدها:
ما يتصل بنسبه الشريف ﷺ
وقد اقتضاه ذلك الجانب الرجوع بنسبه لبيان صفاء معدنه وكرم أصله، فهو الحسيب النسيب الشريف المنزه فالعرب مقسمون عند المؤرخين إلى سلالات ينحدرون منها.
العرب البائدة: وهم العرب القدامى الذين لم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل: عاد وثمود وطسم وجديس وعملاق وسواها.
ثم العرب العاربة: هم أولئك الذين يضربون بنسبهم إلى يعرب بن يشجب بن قحطان، وهم يسمون بين أهل العلم بالعرب القحطانية.
ثم العرب المستعربة: وهم أولئك الذين ينحدرون من صلب سيدنا إسماعيل- ﵇ ويطلق عليهم أيضا «العرب العدنانية» وإنما أطلق عليهم هذا الاسم، لأن إسماعيل أباهم لم يكن عربي العصب والصلب، وإنما صاهر العرب وعايشهم وآكلهم وشاربهم، وتشارب اللغة من أفواههم، ومع أنهم عرب مستعربة إلا أنهم غدوا أفضل العرب برسول الله ﷺ كما قيل.
المقدمة / 3