إذا بَرَقوا لم تُعْرف البيضُ منهمُ ... ثيابُهُمُ من مثلها والعمائمُ
خَميِسُ بشرق الأرض والغرب زحفهُ ... وفي أذنُ الجوزاء منه زَمازمُ
تجمَّع فيه كلُّ لِسْن وأمَّة ... فما يُفْهمُ الحُدَّاثَ إلاّ التَّراجمُ
فلله وقتُ ذَوَّبَ الغشَّ نارُهُ ... فلم يَبْق إلا صَارمُ أو ضُبَارمُ
تقطع ما لا يَقْطَعُ الدرْعَ والقنا ... وفرَّ من الفُرْسان من لا يُصادم
وهذه الأبيات الأخيرة من أحسن ما قيل في الجيوش الكثيرة، وكذلك ورد قول أبي تمام من قصيدة يمدح بها المأمون:
فنهضتَ تسحبُ ذيلَ جيش ساقهُ ... حُسنُ اليقين وقادهُ الإقدامُ
فنهضتَ تسحبُ ذيلَ جيش ساقَهُ ... ولهم بمُنْخَرق الفضاء زحامُ
ملأ المَلاَ عُصَبًا فكاد بأن يُرَى ... لا خَلْفَ فيه ولا لَه قُدَّامُ
يقال: اثعنجرت العين دمعًا، واثعنجر دمعها، وهو انصباب الدمع وتتابعه، ولجب كثير الأصوات، والسلاف: المتقدمون، والملا مقصورًا: ما اتسع من الأرض.
وقال النابغة في عظم الجيش:
بَحْر يظل له الفضاء مُعَضَّلا ... يَذَر الإكَام كأنهنَّ صحاريِ
ومعضل: من قولهم عضلت المرأة عند الولادة: إذا عسر خروج الولد.
وقال مالك المازني:
بجيش لُهَام يشغلُ الأرضَ جمعُهُ ... على الطيَّر حتى ما يَجدن منازلاَ
وقال البحتري:
بجمع تَرَى فيه النهارَ قَبيلةً ... إذا سار فيه والظلامَ قبائلًا
وقال سَلم الخاسر:
وكتائب تغشى العُيون إذا جَرَى ... مَاءُ الحديدُ عليهمُ الرَّجْرَاجُ
وتفرقت زُرْقُ الأسنة فيهمُ ... تسقى الحنايا ما لهنَّ مِزَاجُ
نزلتْ نجومُ الليل فوق رءوسهم ... ولكل رأس كوكبُ وَهَّاجُ
وقال مُسلم:
في عسكر تشرَق الأرضُ الفضاءُ به ... كالليل أنجُمُه القُضْبان والأسَلُ
ولما بلغ المتنبي إلى قوله:
وقفتَ وما في الموت شكُ لواقف ... كأنك في جَفْن الرَّدى وهْوَ نائمُ
تمرّ بكَ الأبطال كَلَمى هَزيمةً ... ووجهُك وضَّاحُ وثغرُكَ باسِمُ
قال سيف الدولة: قد انتقدتهما عليك كما انتقد على امرئ القيس قوله:
كأنَي لم أركبْ جَوادًا للذَّة ... ولم أتبطَّنْ كاعبًا ذات خَلْخال
1 / 61