فأعاد ستالين قراءة الفقرة، وكانت هذه هي العبارات الوحيدة التي تبودلت في الاجتماع الهام.
وكانت وصية لينين لا تقتصر على الحديث عن خلفه، وإنما كانت تشير إلى ما قد يطرأ على الدولة من تطور سياسي، وكانت الوصية تمتدح وتنتقد كلا من ستالين وتروتسكي، ولكن لينين كان يتحدث فيها عن تروتسكي بوصفه الرجل الأكفأ، وفي نفس الوقت كان يوصي بإبعاد ستالين عن منصبه. ولما كانت المسألة لا تتعدى توصية يتقدم بها فإنه ترك الأمر في النهاية للمؤتمر حتى يتولى توجيه الدولة وتوجيه الحزب.
وقد بلغ عدد الذين تنازعوا عرش لينين بعد وفاته نحو أربعة من الزعماء، وكان كل واحد منهم يرجو أن يخلفه، إلا أن اثنين فقط من بين الستة هما اللذان كانت تتوفر فيهما الصلاحية، وهما: ستالين وتروتسكي. أما ستالين فبسبب نفوذه داخل الحزب، ذلك النفوذ الذي أحرزه بعد جهود مضنية، وأما تروتسكي فبسبب الشهرة التي أحرزها أثناء الثورة.
واحتاج ستالين إلى أربع سنوات كاملة حتى يضيع أثر وصية لينين ويتمكن من التغلب على منافسه، وليس حقيقيا ما وصف به ستالين من أنه كان بناء في حين كان تروتسكي ثائرا؛ فإن العنصرين عنصر البناء وعنصر الثورة كانا يتوفران في الرجلين معا.
وكان لينين يشعر بقلق وهو يقدر أن الرجلين: ستالين، وتروتسكي، لا يمكن أن يحكما معا، والواقع أن الاثنين كانا يتفقان في الأهداف العامة: كانا يتفقان في ضرورة إقامة دولة صناعية، وفي ضرورة القضاء على الفلاح الثري «الكولاك»، وهو الذي نجا من الثورة باعتباره وسيطا بين النبلاء من أصحاب الأراضي وبين الفلاحين العبيد، وربما كان سبب الخلاف بينهما هو وسائل الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف .
وبعد أن تناقلت الأفواه وصية لينين، وأصبحت شائعة معروفة للجميع، سارع ستالين بتقديم استقالته من منصب السكرتير العام للحزب، وكان على ثقة من أن المؤتمر الذي كان آلة في يده سوف يرفض هذه الاستقالة، وقد سمحت له خطته هذه بأن يستعمل الوسائل الديمقراطية ضد المعارضة المتزايدة من جانب تروتسكي.
كان ستالين يعتبر مجرد معارضة الأقلية مؤامرة يجب القضاء عليها وهي في المهد، وكان قد قرر ألا يسمح لأحد بالوقوف في طريقه، بعد أن رأى أن الدكتاتورية وحدها هي التي يمكن أن تساعده على تحقيق برنامجه، فأخذ يمهد لها على الرغم من مبادئ لينين، وعلى الرغم من الدستور الجديد.
ونجح ستالين أخيرا في إقامة ديكتاتوريته، ولكنه نجح بعد أن اضطر إلى طرد تروتسكي، بل وإلى طرد جميع أصدقائه القدامى من روسيا، بل ومن عالم الأحياء كله!
ولنر الآن كيف نجح! (13) ثائر في وجه ثائر!
وهنا وفي هذه المرحلة، بدأ تروتسكي التحدي، وبدأ نضاله ضد ستالين في ظروف مواتية.
Bog aan la aqoon