ورغم هذه العزلة ... فقد كان ستالين موجودا في كل مكان من روسيا ... في كل قرية، وفي كل ضيعة ... في سدس سطح الكرة الأرضية، كان معبودا بكل معنى هذه الكلمة، وكانت صورته في كل مكتب سوفييتي، وفي كل حجرة من كل مدرسة، وفي كل فرع للحزب، وفي منزل كل أسرة ... وكان له تمثال مقام في كل متنزه، وفي محطات السكة الحديدية والمطارات، وفي كل مبنى عام؛ كالفنادق ومحطات «المترو» لا دور الحكومة فقط ... وكان الشعب الروسي كلما احتفل بعيد الثورة السنوي يوم 7 نوفمبر، وضعت له الصور الضخمة في كل مدينة، وكل قرية من قرى الاتحاد السوفييتي.
لقد ظل العالم الغربي وقتا طويلا وهو عاجز عن تعليل ذلك المديح البالغ الزائد عن حده الذي تغمر به روسيا ستالين؛ إذ كانت الملايين من أفراد الشعب الروسي تنظر إليه على أنه مزيج نصفه إله والنصف الآخر أب حنون، ومع ذلك فإن هذا الشعب لم يكن يعرف شيئا عن زعيمه إلا من الصور التي تنشر له، وقلما كانت الصورة تتغير إلا بعد أن تنقضي عليها أمام الناس عدة سنوات.
وقد حدث في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية أن نشرت للناس صورة جديدة لستالين، ظهر فيها شعره وقد وخطه الشيب، وما كادت مكتبات موسكو تلصق على نوافذها هذه الصورة الجديدة للإعلان عن بيعها حتى أحدثت هزة عميقة في نفوس الناس الذين احتشدوا أمام المكتبات التي عرضتها، وأخذوا يدققون فيها النظر وهم يلاحظون في دهشة أن ستالين هو الآخر قد أخذت السن تتقدم به ... لقد كانوا يعتقدون أن زعيمهم من طينة غير طينة البشر، وأن ما يحدث لغيره من البشر لا يمكن أن يحدث له هو مطلقا؛ لأنه ليس مثلهم، فلما فاجأتهم الصورة الجديدة أثارت دهشتهم وتساؤلهم وقلقهم!
ولم تكن أنباء نشاطه اليومي تنشر أبدا، ولا قائمة زواره الرسميين، إلا إذا كانت الزيارة في مناسبة يجب أن تذاع، كاستقبال سفير جديد أو سياسي أجنبي، أو إقامة مأدبة في الكرملين لمجموعة من الضيوف.
وكانت خطط تنقلات ستالين في داخل روسيا أو في خارجها يحتفظ بها في سرية تامة في وقت السلم كما في وقت الحرب. وكان قد اعتاد قضاء إجازاته في البحر الأسود، ولم يكن أحد يعرف ذلك، وإنما كان يستنتجه الديبلوماسيون الأجانب في موسكو إذا طلب أحدهم مقابلة ستالين فأجيب بأن المقابلة غير ممكنة بسبب عدم وجود ستالين في موسكو.
هذه صورة لستالين العظيم، في أوج عظمته، وبعد أن توطد ملكه وسلطانه في البلاد، ولكن فلنعد الآن إلى الوراء لنرى كيف وصل الزعيم إلى هذا المركز الممتاز بين أهل وطنه. (6) الأعوام الأولى
كان اسمه الرسمي جوزيف فيزاريونوفيتش دجوجا شفيلي، وقد ولد في مدينة جورى من أعمال جورجيا، في ديسمبر من عام 1879.
أما اسم ستالين الذي أطلق عليه فيما بعد فكان معناه: «رجل الصلب»؛ لأن كلمة «ستال» بالروسية معناها الصلب، وكان المقصود بهذا الاسم الدلالة على قوته.
أما والده فيزاريون دجوجا شفيلي فقد كان فلاحا، اشتغل بالصناعة تارة لحسابه الخاص، وتارة بالمصنع، وقد اشتغل بصناعة الأحذية، وتوفي الرجل في عام 1890.
أما والدة ستالين وكان اسمها كاترين، فقد كانت تعيش في تفليس، وظلت على قيد الحياة بعد وفاة زوجها بمدة طويلة، حتى لقد شهدت عظمة ابنها عندما صار سيد روسيا كلها ...
Bog aan la aqoon