فلهذا (^١) شُرِعت الحدود، وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها، فإنه متى كان قصدُه صلاحَ الرعية، والنهي عن المنكرات بجلب (^٢) المنفعة لهم، ودَفْع الضرر (^٣) عنهم، وابتغى بذلك وجهَ الله تعالى وطاعة أمره= ليَّنَ (^٤) الله ﷾ له القلوب، وتيسرت له أسباب الخير، وكفاه العقوبة اليسيرة (^٥)، وقد يرضى المحدود إذا أقام عليه الحد.
وأما إذا كان غرضُه العلوَّ عليهم (^٦)، وإقامة رياسته ليعظِّموه (^٧)، أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال= انعكس عليه مقصوده.
يروى أن عمر بن عبد العزيز ﵁ قبل أن يلي الخلافة كان نائبًا للوليد بن عبد الملك على مدينة النبي ﷺ، وكان قد ساسهم سياسةً صالحةً، فقَدِم الحجَّاج من العراق وقد سامهم سوء العذاب، فسأل أهل المدينة عن عمر: كيف هيبته فيكم؟ قالوا: ما نستطيع أن ننظر إليه هيبةً، قال:
(^١) (ي): «فكذلك»، (ز، ظ، ب، ل): «فهكذا».
(^٢) الأصل: «طلب»، ويمكن أن تقرأ في بعض النسخ: «لجلب».
(^٣) بقية النسخ: «المضرة».
(^٤) (ي، ز، ب): «ألان».
(^٥) (ز) فقط: «البشرية» ورجحه الشيخ العثيمين في «شرحه» (ص ٢٧٢) وقال: (والمعنى: أن الله يكفيه العقوبة البشرية التي تترتب على الحد، بمعنى أن ما في قلوبهم من الإيمان يوجب استقامتهم فيقل الجرم، وحينئذٍ لا يحتاجون إلى عقوبة بشرية) اهـ. ووجه ما في سائر النسخ: أن الله يكفي الوالي ما يوقعه من العقوبات التعزيرية اليسيرة عن العقوبات الشديدة لاستقامة الخلق وصلاحهم.
(^٦) الأصل: «عنهم».
(^٧) (ي): «ليعطوه».