Siyar Malahim Shaacbiyya Wa Carabiyya
السير والملاحم الشعبية العربية
Noocyada
وبالطبع لم تصل مثل هذه المقولات التوفيقية إلى التلاحم القومي في مواجهة الأخطار الإمبراطورية البيزنطية؛ ذلك أن الركائز والجذور البيئية كانت متنافرة ما بين مجتمعات بدوية صحراوية، لا ترى في مثل هذه الحروب أبعد من مجرد التريض والسبي، وطلائع بحرية في الشام ولبنان وفلسطين، أكثر انفتاحا وتوقدا كشعوب بحرية
21
أو شعوب الثغور - كما أسماهم القلقشندي.
لذا انتقل الصراع من فوره متوازيا إلى ساحات الحروب والمعارك المستعرة، الدائرة بنفس ما يحدث على أيامنا، فاندفعت كل قبيلة تكيد للأخرى داخل أروقة البلاط العباسي وحريمه، مع ما صاحب ذلك من أسر الأمير عبد الوهاب ذات غزوة سبيت فيها أميرة أو ملكة رائعة الحسن اسمها «الميرونة»، وحينما طالبه الرشيد بردها إليه في بغداد - وكان عبد الوهاب قد استحلها ودخل عليها، بل هو سيخلف منها ابنه «سيف الموحدين» الذي سيلعب دوره كجيل تال بأسره بعد عبد الوهاب، على عادة السير الشعبية في تأريخها للأسر الحاكمة، كما هو الحال بالنسبة لسيرتنا، وبالنسبة لسيرة «بيست آتريوس» التي هي الإلياذة الهومرية وحروبها الطروادية التي دامت عشرة أعوام متصلة.
فما أن ماطل عبد الوهاب في رد الأميرة المخوفة «ميرونة»، وارتفعت مكائد قاضيه المقرب عقبة؛ حتى تمكن من الإيقاع بالعقل الحربي المفكر الأمير سيد البطال، فسجنه الخليفة وحاول عبد الوهاب وذات الهمة التوسل للخليفة بالإفراج عن البطال، وبأنهما لن يبرحا عرش الخليفة ليلحقا بجبهة القتال إلا ومعهما البطال، فما كان من هارون الرشيد إلا أن طرد الأمير عبد الوهاب، مذكرا إياه بأنه مجرد عبد أسود ذميم، «فعندها صاح على الحجاب أن أخرجوا هذا الأسود الذميم من وجهي.»
22
وهكذا قدم هارون الرشيد من جديد منافسيهم الحجازيين من بني سليم، وعرب شمال الجزيرة العربية على التغلبيين، من أسرة ذات الهمة.
وكما ذكرنا فإن إبعاد عبد الوهاب وذات الهمة من جانب الخليفة وبلاطه، كان يعني ضرب وقمع الجناح أو التجمع الأكثر انفتاحا وثورية، وهو ما اكتمل في ذلك العصر العباسي في نكبة البرامكة، التي تشير - في جلاء - إلى ضرب وإضعاف ذلك التحالف البرمكي أو العجمي الفلسطيني، وبالرجوع للسيرة يتضح هذا:
قال الراوي: «وكان من قضاء الله وقدره أن الرشيد لما قبض على الأميرة وولدها الأمير عبد الوهاب والأمير هياج الكردي ووضعهم في المطامير، وكل أرباب الدولة استصوبوا رأي الرشيد في ذلك تعصبا لعقبة إلا الوزير جعفر،
23
Bog aan la aqoon