ما رواه الدارمي عن أبي الجوزاء قال: قحط أهل المدينة قحطًا شديدًا، فشكوا إلى عائشة ﵂، فقالت: انظروا إلى قبر رسول الله ﷺ فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا، فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق، وليس فيه التبرك بذكر أحباء الله، على أن التوسل إذا كان خاليًا من اعتقاد التأثير ودعاء غير الله والنذر له والذبح له وسائر العبادات وجميع ما نهى الله ورسوله عنه، وكان محض التبرك بذكر أحباء الله لا يكون شركًا، لكن ينظر إليه فإن كان ذلك التبرك ثابتًا بكتاب أو سنة صحيحة فلا مرية في مشروعيته، وإن لم يكن ثابتًا فهو بدعة ضلالة، والكلام في حديث أبي الجوزاء سيأتي فارتقبه، ودعوى أنه ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا تحتاج إلى إقامة البرهان عليها، ودونه لا تُسمع، ثم إلى تبيين أن المراد بلفظة "بسببهم" بسبب ذكرهم، وبدونه لا يتم التقريب.
قوله: فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى، وذكر هؤلاء الأخيار سبب عادي في ذلك التأثير، وذلك مثل الكسب العادي فإنه لا تأثير له.
أقول: كون ذكر هؤلاء الأخيار سببًا عاديًا في ذلك التأثير من أين علم؟ وأي دليل عليه؟ ولو سلم فالسببية لا تستلزم المشروعية، ألا ترى أن كثيرًا من العقود الفاسدة سبب لتحصيل المنافع وليست بمشروعة.
قوله: وحياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم ثابتة عند أهل السنة بأدلة كثيرة.
أقول: هب أن حياة الأنبياء ﵈ ثابتة، ولكنها حسب اعتراف صاحب الرسالة ليست مثل الحياة الدنيوية، فلا يتفرع عليها جواز التوسل كما يتفرع على الحياة الدنيوية.
قوله: فإن قال قائل: إن شبهة هؤلاء المانعين للتوسل أنهم رأوا بعض العامة يأتون بألفاظ توهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى، ويطلبون من الصالحين أحياء وأمواتًا أشياء جرت العادة بأنها لا تطلب إلا من الله تعالى، ويقولون للولي