"أما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي ﷺ أن صح الحديث فيه. ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجه وغيرهم أن أعمى أتى إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني أصبت في بصري، فادع الله تعالى لي. فقال له النبي ﷺ: "توضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد، يا محمد إني استشفع بك في رد بصري، اللهم شفع النبي فيّ، وقال: فإن كان لك حاجة فمثل ذلك، فرد الله بصره".
"وللناس في معنى هذا قولان: أحدهما أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال: كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، وهو في صحيح البخاري وغيره، فقد ذكر عمر ﵁ أنهم كانوا يتوسلون بالنبي ﷺ في حياته في الاستسقاء، ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته، وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى، والنبي ﷺ كان في مثل هذا شافعًا وداعيًا لهم.
"والقول الثاني التوسل به ﷺ يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه".
ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به ﷺ في حياته، وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعًا سكوتيًا لعدم إنكار أحد منهم على عمر ﵁ في التوسل بالعباس ﵁.
"وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي ﷺ كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين:
(الأول) ما عرفناك به من إجماع الصحابة ﵃.
و(الثاني) أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة١، إذ لا يكون الفاضل فاضلًا إلا بأعماله، فإذا قال القائل: