الكلام على التصوير في الإسلام: أمحرم هو، أم مكروه، أم مباح، طويل متشعب. عرض له القدماء وكذلك المحدثون من شرقيين وغربيين، ومن أقرب ما نشره هؤلاء مقال للأستاذ كريزويل، فيه ثبت للمصادر، تراني أزيد عليها جملة في ذيل النص الفرنسي، وأما ها هنا فأجيء بنص كامل غير معهود، ينهض ضد التحريم المطلق، ويسوغ جملة التصاوير التي وقعت إلينا من الآثار الإسلامية أو وصفها الأقدمون، دنيوية كانت أو دينية، وقد خلت من تمثيل الإله؛ لأن تصوير الله تصوير الأجسام محرم أشد التحريم، ولا يوافق روح الإسلام. والنص قدمته بالفرنسية في مقر الجمعية الآسيوية بباريس، 10 / 11 / 1950، وبالعربية في المجمع العلمي المصري بالقاهرة 3 / 3 / 1951.
ثم إن لهذا النص شأنا عظيما من أربع جهات:
الأولى:
أن صاحبه من فحول علماء الإسلام في فهم نصوص القرآن، واستقراء دقائق العربية، وهو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان، المعروف بأبي علي الفارسي النحوي، المتوفى سنة 377ه/987م. وأبو علي هذا - على ما ورد في أول ترجمته في «معجم الأدباء» لياقوت: «أوحد زمانه في العربية.» وقال فيه الجزري في «غاية النهاية في أسماء رجال القراءات ...» (القاهرة 1932، ج1، ص206-207): «انتهت إليه رياسة علم النحو، وصحب عضد الدولة فعظمه كثيرا، ثم لحق بسيف الدولة فأكرمه، أخذ عنه النحو أئمة كبار كابن جني»، ولد في فسا بالقرب من شيراز، إلا أن أمه عربية سدوسية، وقد طوف كثيرا في بلاد الشام، ومات في بغداد، وكان أتاها وهو ابن تسع. فهو عالم من علماء العربية، له خطر في الملة الإسلامية، وحظوة عند أمرائها.
والجهة الثانية:
أن النص قديم، فهو من النصف الثاني للمائة الرابعة.
والجهة الثالثة:
أنه صدر من عالم متبحر ثقة، مسجلا موقف الإجماع في ذلك العهد ليناهض آراء الآحاد.
والجهة الرابعة:
أنه يدل على ما وصل إليه التشدد بعد ذلك في البلدان العربية، من ذلك حكم تاج الدين السبكي المولود في القاهرة سنة 727ه، المتوفى في دمشق سنة 771ه، يقول السبكي هذا في كتابه «معيد النعم ومبيد النقم»، (القاهرة 1947، ص135): «الدهان، وعليه ألا يصور صورة حيوان، لا على حائط ولا سقف، ولا آلة من الآلات، ولا على الأرض، وأجاز بعض أصحابنا التصوير على الأرض ونحوها، والصحيح خلافه.»
Bog aan la aqoon