36

قامت أليس كيلينج قائلة: «حسنا، هناك طريقة واحدة لمعرفة الحقيقة، فأنا بعد كل شيء ممرضة!»

تنفست السيدة بيبلز بعمق وقالت: «كلا، كلا، اذهبي إلى غرفتك يا إيدي، أوقفوا هذه المهزلة، هذا مثير للاشمئزاز.»

اتجهت إلى غرفتي، وبعد قليل، سمعت صوت السيارة، حاولت الكف عن البكاء، ممسكة نفسي في كل مرة تبدأ فيها نوبة بكاء. أخيرا نجحت في السيطرة على نفسي واستلقيت على السرير مهدئة من روعي.

أتت السيدة بيبلز ووقفت عند الباب.

وقالت : «لقد رحلت، وتلك المرأة لوريتا أيضا، بالطبع أصبحت تدركين أنه لم يكن مسموحا لك بالاقتراب من هذا الرجل، وهذا هو سبب تلك المشكلة. أشعر بالصداع الآن. في أقرب فرصة تقوين فيها على النهوض؛ اغسلي وجهك بماء بارد، ومن ثم اتجهي مباشرة لغسيل الصحون، لن نتحدث في هذا الموضوع ثانية.» •••

وهذا ما حدث بالفعل. لم أكن أتصور حتى سنوات لاحقة فداحة المأزق الذي نجوت منه. لم تعد السيدة بيبلز لطيفة وودودة معي بعد ذلك، ولكنها لم تظلمني في شيء. إن قولي «إنها لم تعد لطيفة وودودة معي» وصف غير دقيق لها؛ فهي لم تكن قط لطيفة وودودة. كل ما في الأمر أنها أصبحت مضطرة لأن تراني أمامها طوال الوقت، وكان هذا في حد ذاته يزعجها، قليلا.

وبالنسبة لي؛ فقد صرفت كل هذا من عقلي كأنه كابوس، وانصبت حياتي على انتظار الخطاب. كان البريد يصل يوميا عدا يوم الأحد، في حدود الساعة الواحدة والنصف والثانية ظهرا؛ وكان هذا الوقت مناسبا جدا لي؛ حيث إنه ميعاد القيلولة للسيدة بيبلز. فأذهب لتنظيف المطبخ، ثم أذهب لأجلس على العشب بجوار صندوق البريد، كنت في قمة سعادتي، وأنا منتظرة، وتناسيت كل ما حدث: أليس كيلينج وبؤسها وكلامها الجارح، برود السيدة بيبلز معي، وإحراجي من احتمال إطلاع الدكتور بيبلز على ما حدث، وجه لوريتا بيرد وهي تثرثر بالحديث عن مشكلات الآخرين؛ تناسيت كل ذلك. كنت أبتسم دائما عندما يصل ساعي البريد، وأظل مبتسمة حتى بعدما أتحقق من البريد وأجد أن الخطاب الذي أنتظره لم يصل اليوم. كان ساعي البريد من كارميكال، عرفت من وجهه؛ فكثير منهم كانوا يقطنون بجوارنا، ويتميز عدد كبير منهم بشفة عليا بارزة قليلا (كان شابا خجولا لكنه بشوش، يمكن لأي شخص سؤاله عن أي شيء)، فسألته عن اسمه وقلت له: «عرفتك من وجهك.» سر عندما سمع مني ذلك، ودائما ما كان يسر عندما يراني، وبدأ في التخلص من خجله شيئا فشيئا، وكان دائما ما يصيح من شباك سيارته قائلا لي: «ابتسامتك هي كل ما أنتظره طوال اليوم.»

لم يخطر بذهني لحظة أن الخطاب لن يصل، ولو حتى بعد طول انتظار؛ فقد كنت أوقن بأنه حتما سيصل، تماما كما أوقن بإشراق الشمس كل صباح. كنت أنام بنفس اليقين، وأستيقظ وكلي أمل بحدوث مرادي اليوم التالي، حتى بدأت نباتات الذهب في النمو حول صندوق البريد، وعاد الأطفال إلى المدرسة، وبدأت أوراق الشجر في التساقط، وكان علي ارتداء كنزة وأنا أنتظر البريد. ذات يوم لم يصل إلى البريد سوى فاتورة الماء، قبضت عليها يدي وأنا أنظر باتجاه تلك الساحة، بدت نباتات الصقلاب والدبساسية في أوج تفتحها، معلنة حلول الخريف، حينما خطر على ذهني فكرة أن «الخطاب لن يصل أبدا». كانت فكرة من المستحيل تصديقها. كلا، ليست مستحيلة. كلما تذكرت وجه كريس وهو يعدني بأنه سيراسلني، لم تكن فكرة مستحيلة، لكن عندما أنسى ذلك وأنظر لصندوق البريد، فارغا، تبدو الفكرة حقيقة واضحة. مع ذلك واصلت انتظار البريد، لكن قلبي كان ممتلئا بحزن وهم ثقيل، كنت أبتسم فقط لأجل ساعي البريد، فابتسامتي هي ما يهون عليه يوم عمل شاق مع قدوم فصل الشتاء.

حتى طرأ لي ذات يوم أن هناك نساء مثلي يفعلن ذلك بحياتهن؛ يضعن حياتهن رهن الانتظار. هناك نساء ما برحن ينتظرن وينتظرن بجانب صناديق البريد من أجل خطاب أو خطاب آخر. تخيلت نفسي مثل واحدة منهن، أنتظر وأنتظر، يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة، حتى بدأ الشيب يدق رأسي. وهنا بدأت أفكر أنني يجب ألا أصير مثلهن؛ لذا توقفت عن انتظار البريد؛ إذا كانت هناك من النساء من ينتظرن كل ذلك، وهناك من لا وقت لديهن للانتظار، فأنا أعلم جيدا من أود أن أكون. ومع أن النساء من النوع الثاني قد يفوتهن أشياء، لكن ذلك أفضل من انتظار السراب.

فوجئت عندما اتصل ساعي البريد بمنزل آل بيبلز، وسأل عني، قال إنه افتقدني، وطلب مني الذهاب معه إلى جودريتش حيث يعرض هناك فيلم مشهور، نسيت اسمه الآن، فوافقت. ظللت أخرج معه عامين إلى أن طلبني للزواج ، وتمت خطبتنا عاما آخر أجهز فيه أشيائي، ثم تزوجنا. ودائما ما يحكي لأطفالنا كيف كنت أطارده بالجلوس بجانب صندوق البريد كل يوم، وكنت أكتفي أنا بالضحك وأدعه يكمل حكايته؛ لأنني أحب أن يعتقد الناس فيما يحبونه ويجعلهم سعداء.

Bog aan la aqoon