كتاب الطهارة وآدابها وأسبابها وأعلم أن الطهارة فرض ظاهرا أو باطنا فأما الباطن فطهارة القلب من كل شيء سوى الله فإذا وجدت من القلب هذه الطهارة الصافية الكاملة صار القلب محلا للفيض الرباني والعلوم اللدنية الإلهية وكشف أغطية الأسرار عن نيرنهار القدس فانبجست عيون الكرامات وترقى العقل من حضيض الشهوات إلى سماء الخاصة ومعارفها ثم إلى سماء كشف أسرار الربوبية ثم يترقى العقل الجوهر الكامل إلى كرسي المراقبة ثم إلى عرش حضرة القدس ثم تقدم له موائد فوائد تحف المحبة فيشرق أنوارها على هياكل الطباع المظلمة ويجرى قلم التوحيد فوق لوح التمجيد بطريق التأييد فمنهم شقي وسعيد وإذا كشفت لك هذه المملكة الباطنة لم تلتفت على الموت فإن الموت هو جامع بين الأحباب وفي الطباع المتنافرات مفرق بينهم . ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) . وقد سمعت النظم فيه شعرا . سهل عليك الذي تلقاه من ألم . . . إن كان شملك بالأحباب يجتمع فإذا طلعت عليك كاسات الوصال في دار التخلية وهبت ريح النسيم ونادى مناد التقديم . وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . فعند ذلك تصير روحك ملكا يضيء . ولو لم تمسه نار . وأعلم أن الله تعالى خلق الخلق وصنفهم ثلاثة أصناف فطائفة عقل مجرد وهم الملائكة وطائفة شهوة مجردة وهم البهائم وطائفة عقل وشهوة وهم بنو آدم وهم وسط بين الطائفتين فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم . فاستقم كما أمرت . ثم تعود إلى الطهارة الظاهرة . قدم الماء الطاهر في الإناء المخمر واغسل يديك قبل الوضوء ثلاثا واستقيل لوضوئك القبلة وكن على نشر خوف النضح وعليك بالتسمية والسواك والنية في مبدأ الفرض ففرض الوضوء ستة النية عند أول جزء من الوخه ثم غسل الوجه ثم غسل اليدين إلى المرفقين ومسح المقبل من الرأس وغسل الرجلين مع الكعبين ثم الترتيب في الموالاة في أصح الوجهين ثم غسل الحيض والجنابة بوضوء وغسل ثلاثا ثلاثا ونيته ونية غسل الجنابة أو الحيض ثم مناقض الوضوء وهي النوم قاعدا متمكنا ثم زوال العقل بأي فن كان ثم لمس الرجل المرأة ولا حائل بينهما ولنقض طهر اللامس دون الملموس في أصح الوجهين ولمس الفرج . ثم آداب دخول المسجد بالقدم اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج ولا يستدبر ولا يستقبل القبلة ولا الشمس والقمر إلا من وراء ستر وخائل وينحى ما عليه اسم الله من عليه ويجوز الاستنجاء بكل طاهر إلا ماله حرمة كالمطعم وغيره ولا يجوز الاستنجاء بعظم أو جارح أو مما يؤذي المحل فقد قال صلى الله عليه وسلم : ' لا تستنجوا بالعظم فإنه طعام إخوانكم الشياطين فإن الله يكسوه لحما فيأكلوه ' والأفضل أن يعقب الاستجمار بالماء وهي طهارة أهل فناء ويقول في دخوله : ' اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ومن الشيطان الرجس النجس ' فإذا خرج يقول : ' غفرانك الحمد الله الذي أخرج عني الأذى وعافاني ' . ولا يجوز البول في الماء الراكد ولا ثقب أرض ولا على قارعة طريق أو شاطئ وتحت شجرة مثمرة وغيره ثم يجوز التيمم من عذر طارئ أو برد مخوف طارئ أو جراح أو حدوث ثمين فيجوز التيمم بتراب وعبار تعلق باليد ويجوز عن الحيض والجنابة مع الأعذار المخوفة الموجودة بضربتين لوجهه ويديه قال غيرنا يجوز التيمم بكل ما صعد عن الأرض من حجر أو جدار ولكن بعد دخول الوقت ونزع الخاتم من باليد ويجوز للمتيمم أن يصلى بالمتوضئ فقد فعل ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجوز المسح على الجبائر بشرط الطهارة . كتاب الصلاة وهو مقالتان مقالة في الأحكام الظاهرة ، والمقالة الأخرى في الأحكام الباطنة وما يجد فيها العارفون أعلم أن الصلوات الفرض هي خمس صلوات وركعاتها سبع عشرة ركعة واكمل سنتها ثماني عشرة ركعة وأحكامها الظاهرة مثل كمال الوضوء بالماء الطاهر وطهارة الثوب والبدن والمكان واستقبال القبلة والإتيان بتشديدات الفاتحة والطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال بين السجدتين والرفع من الركوع وقولك في الركوع ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وبحمده وتقول في السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده مثلها وهو أقل الكمال ثم الاكتناف . ومعرفة الأوقات فوقت الصبح إذا تبين الفجر الثاني ويبقى وقت الأداء إلى طلوع الشمس ووقت الظهر إذا غربت الشمس من وسط الفلك ويبقى وقت الأداء إلى وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله وزاد علبه أدنى زيادة ويبقى وقت الأداء إلى غروب الشمس والمغرب مع طلوع الليل ووقت العشاء إذا غاب الشفق الأحمر وعند أبي حنيفة والمزني إذا غاب الشفق الأبيض وهو وقت صلاة المتقين والأبرار والأذان شرط لا فرض إلا على الكفاية ثم تلزم قوانين الآداب وتستحي من الله كما تستحي من سلطانك أما سمعت الخبر لا تجعلني أهون الناظرين إليك قال الله تعالى : ( أيحسب أن لم يره أحد ) وتعظم شعائر الله وتأتي بها في أوقاتها إلا الظهر في شدة الحر كما قال : ' أبردوا بالظهر . ونوروا في الفجر . وأخروا في العصر ' . ثم تأتى بكوامل النوافل مثل الضحى والتراويح والصلاة بين المغربين وأوراد الليل والسحر وسنن يوم الجمعة العشرة وآدابها مثل الاغتسال والسبق إليها وقراءة الكهف وكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواظب فيها على الصلاة السبعينية قبل الزوال وتطلب فعلها في الإحياء وتأتي فيها بصلاة الحاجة من اثنتي عشرة ركعة بست تسليمات تقرأ بعد الفاتحة آية الكرسي مرة وثلاث مرات قل هو الله أحد فإذا فرغت من جميع الصلاة تسجد بعد السلام فتقول في سجودك سبحان الذي لبس العز وقال به سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي العز والكرم سبحان ذي الطول والرحمة أسألك اللهم بمعاقد العز عن عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وبأسك الأعظم وجدك الأعلى وبكلماتك التامات كلها التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر أن تصلي على محمد وآل محمد ثم تسأل حوائجك الجائزة ولا تصل في المواضع النجسة والمواضع المغصوبة ولا في ثوب حرير ولا في خاتم ذهب وتقوم بالمسكنة به والذل والصغار فإذا اجتمع الناس يحسبه القيامة وتحسب صوت المؤذن كنفخ الصور فظهور الخطيب في الموعظة كتجلي الحق بعتب الخلق والتوبيخ . وقيام الناس في الصلاة كقيامهم في الموقف ثم الانصراف في المسجد كتفرقهم يوم المعاد : فريق في الجنة وفريق في السعير والسر في الوضوء هو طهارة الأعضاء وتنبيهها والشجرة الآدمية كغيرها من الشجر لا بد لها من خدمة . فتقليم فروعها كقص الأظفار والحلق . وشربها الماء كالوضوء والغسل وتنظيفها وخدمتها كحسن آدابها . وترك العضلات الدنيوية إنبات بقول العلوم عن سواقي الخدمة وصون النفوس عن القبائح والرذائل سياطها وحرمتها وجريان مياه الفضل في مجاري أنهار العقول يكسب في الشجرة نوح حمام المحبة وصفير بليل التوحيد وتمام المعرفة وأنوار اليقين في برك البركات وصفاء نسيم الصدق في جواز أحداق المعرفة وأنوار اليقين في برك البركات وصفاء نسيم الصدق في جواز أحداق المعرفة وأهداب الشجرة مخاطبة بأنوار الإيمان ومنادى الأزل ينادي بقلوب المريدين سيروا من قواليب الأغبار إلى الشجرة الزيتونة المباركة التي ليست بشرقية ولا غربية ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) هذا معنى قوله تعالى : ( لا يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به فبي يسمع وبي يبصر ) فمن يبصر ويسمع بي أقل ما أعطيه أن أخرق بيني وبينه روزنة يرابي بها وينظر من غير مثال وأعطيه نورا يفرق به بين حقائق معلومات معناه تحمل قلوبهم في صلاتهم إلى حظيرة القدس فيشاهدون جلال الربوبية من الديمومية ويظهر لهم شموس المعرفة من صفاء سماء حقائق القلوب وينجلي لهم حالات الآخرة بذاتها مثل ميزان العقل وصراط اليقين وهو معنى قوله عليه السلام : ' أرحنا بها يا بلال ' ومعنى قوله تعالى : ( و أسجد وأقترب ) . قال جعفر الصادق رضي الله عنه : عند سجود العارف لذي المعارج يرفع الحجاب فيرفع القلوب الطاهرة إلى سدرة المنتهى فتجلى لها أنوار القدس ويفتح لها أبواب جنات حرم الحق فيعطى ما تريد لتابعتها لما تريد كما تمثل فيه بعض أهل التوحيد شعر : أريد عطاءها وتريد مني . . . فأترك ما أريد لما تريد وإذا صفت القلوب في الصلاة من الوساوس المرذلة حظيت بالمشاهدة لرفع غمام الغم وظلم الوساوس عن عرصات القلوب فهناك نشاهد الأفلاك والأملاك مثل ما نظمه القاضي البستي رؤية الحق بالعمى عن سواه . . . و عيون ترنو به ستراه هو في الكل ظاهر غير أن ال . . . لهو بالعيش والهوا ستراه وسأضرب لك مثلا فأقول أعلم أن القلب كعرصة فيها شجرة أراد أحد أن يصلى تحتها فوجد فيها عشاش طيور بزقازق وهدير منعته عن لذة قراءته ومناجاته فان تشاغل بطرد الطيور فأته الوقت فلا سبيل إلى وجود اللذة إلا قطعها وأنت قد غرست في قلبك شجرة حب الدنيا وملأت الشجرة بوسواس اكتسابك وهمك وغمك فأن قطعتها صفا حالك وعظم إجلالك وتجلى جلالك كما قال الجنيد : تركت هم الدنيا فصفا عيشي ، . . . و تركت هم الآخرة فصفا قلبي والسر في الصلاة إنما هو كتقرب الخادم إلى المخدوم إذ يراه في قواليب الذل والانكسار . عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . وهو معنى قول سقراط اشتباك نغمات الأصوات من هياكل العبادات تحل ما يعقد في الأفلاك الدائرات إذ باب خواص الأدعية مفتوح ترجم عنه القرآن ، ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وصفة داود مع المزامير معروفة كان إذا كان له حاجة جاء بزهاد المجاهدة وأقامهم في محاريبهم ووكل بكل واحد منهم صاحب مزمار ليقطع بلذة نغمة قلب المريد إلى حاجة داود فتسرع الإجابة كإجابة الاستسقاء والسحر المعول به متأثرة من الهمة ، وأعلم أن الأوزان القلبية لا تظهر إلا بطهارة المحل فإذا ارتفع السد من القلب بانت موازين معارف القلوب وامتد فيها صراط الحق وفتحت أبواب جنات المعرفة بالله وبانت أنفاس حميم حب الدنيا كما قيل هناك حميمها القاسي : حميمها جنة فيها الحمام . فإذا كان على هذه الوتيرة فاجعل حوائجك من ولاك في خدمتك وتطيب بطيب المعرفة والبس ثياب شعار الندم وضع خدك على تراب التواضع وأعلم أن لكل شيء وزنا ووزن الشعر بعروضه وأوزان المميز بالنظر وأوزان المأكول والمشروب بالكفتين والقبان وميزان الصوفية لأوقات النهار وميزان الخطب بتعديل الكلام وميزان القيمة بقصاص الأفعال فكفة ظلمة ظلمك وكفة نور طهارة أعمالك فاعلم حالك وأستقم في أحوالك فإبراهيم لما بان له ميزان النظر قال بطريق التشكيك : هذا ربي فلما استقام بين كفتى الأحوال قال : وجهت وجهي .
Bogga 61