86

صبروا على: الغربة والفقر والحصار والاذى والتعذيب ومصادرة الاموال وحبس النساء والاطفال والتفريق بين الآباء والازواج وذويهم؛ فصنعوا بصبرهم وصمودهم أروع فصل في تأريخ الاسلام ، وثبتوا اسس الرسالة ، واختطوا الدرب المضيء للاجيال من أبناء هذه الامة .

وقد خلد الشعر والادب تلك الصورة الحية في تاريخ الجهاد ، ونحت منها لوحة أثرية معبرة ، خطها بمشاعر اللوعة ، ورسم مشاهدها بأحرف الصدق والمعاناة ، المهاجر الرائد أبو أحمد بن جحش :

(64)

« لما رأتني أم أحمد غاديا *** بذمة من أخشى بغيب وأرهب

تقول : فإما كنت لا بد فاعلا *** فيمم بنا البلدان ولتنأ يثرب

فقلت لها : بل يثرب اليوم وجهنا *** وما يشاء الرحمن فالعبد يركب

إلى الله وجهي والرسول ومن يقم *** إلى الله يوما وجهه لا يخيب

فكم قد تركنا من حميم مناصح *** وناصحة تبكي بدمع وتندب

ترى أن وترا نأينا عن بلادنا *** ونحن نرى أن الرغائب تطلب

دعوت بني غنم لحقن دمائهم *** وللحق لما لاح للناس ملحب

أجابوا بحمد الله لما دعاهم *** إلى الحق داع والنجاح فأوعبوا

وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهدى *** أعانوا علينا بالسلاح وأجلبوا

كفوجين : أما منهما فموفق *** على الحق مهدي ، وفوج معذب

طغوا وتمنوا كذبة وأزلهم *** عن الحق إبليس فخابوا وخيبوا

ورعنا إلى قول النبي محمد *** فطاب ولاة الحق منا وطيبوا

نمت بأرحام إليهم قريبة *** ولا قرب بالارحام إذ لا تقرب

فأي ابن اخت بعدنا يأمننكم *** وأية صهر بعد صهري ترقب

ستعلم يوما أينا إذ تزايلوا *** وزيل أمر الناس للحق أصوب » (1)

Bogga 86