وهاتان الصفتان : التجرد والتعلق ، هما الوسيلتان الروحيتان لتمكين النبي من اختراق المألوف من عالم الشهادة ، والاتصال بعالم الغيب في حالة الوحي ، حيث يتم تعطيل ارتباط الذات الواعية بالعالم المادي ، ويحصل الانفصام الكلي عنه ، لترتفع القوى الروحية والعقلية المتسامية إلى درجة تجعل الذات النبوية في حالة روحية مستعدة لاستقبال ووعي ما يصدر ، وما يلقى إليها من العالم العلوي .
وهكذا تكون الذات النبوية في حالة تلقي الوحي مطلة على عالم التجليات العلوية، ومشدودة إلى إفاضة الانوار القدسية ، ومقتربة من حظائر القدس ، وعالم الجلال ، عبر انفصال مؤقت عن عالم الشهادة عالم الحس والمادة واختراق للمألوف من قوانينها .
وبالتأمل في النصوص والمفاهيم القرآنية والروايات التي تحدثت عن الوحي
والنبوة نستطيع أن نشخص حالتين لتلقي الوحي من عالم القدس والجلال ، وهما :
أالتلقي المباشر الذي عبر عنه الامام جعفر الصادق بقوله :
« ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد » .
ب التلقي عن طريق ملك الوحي جبريل (ع) حيث يتنزل الامر والوحي إلى عالم الملائكة التي تتلقى من مكنون العلم في حظائر القدس ومحفوظ المعرفة والارادة الالهية ، المفاضة من لدن علام الغيوب ، ليتم نقله وتبليغه إلى النبي الكريم محمد (ص) .
(27)
وقد تحدث القرآن الكريم عن هذا اللون من الايصال والتلقي ، فقال :
(نزل به الروح الامين * على قلبك لتكون من المنذرين ).(الشعراء / 193 ، 194)
Bogga 36